عقب مشاركته في الندوة التي عقدها البرلمان العربي، حول تنفيذ عقوبة الإعدام في العالم العربي تحدث المستشار الدكتور محمد أحمد مجبل نائب رئيس هيئة الإفتاء والرأي القانوني عن الضوابط العديدة التي كفلها القانون البحريني، للمتهم في هذه القضايا، قبل وبعد صدور الحكم، مؤكدا أن المشرع البحريني حصر تنفيذ عقوبة الإعدام في أضيق نطاق ممكن، وفي الحالات الأشد خطورة، مشددا على أن المنظمات الحقوقية الدولية، تصدر بياناتها حول المحكوم عليهم بالإعدام في قضايا الإرهاب كنوع من الضغط السياسي علينا. * ما أسباب الدعوات التي تطلقها المنظمات الحقوقية الدولية للمطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم بشكل عام وفي الدول العربية بوجه خاص؟ في الفترة الأخيرة زادت الدعوات الغربية سواء من جانب الدول أو بعض المؤسسات كالاتحاد أو البرلمان الأوربي، وكذلك بعض المنظمات الحقوقية والمجتمع المدني، لإلغاء عقوبة الإعدام تحت مبررات وحجج مختلفة، ووفقا للتقارير الرسمية الصادرة من الدول يتضح أن 91 دولة قد نصت في تشريعاتها الجنائية على عقوبة الإعدام، وتختلف تلك الدول في طبيعة الجرائم التي تقرر معها عقوبة الإعدام. أما بالنسبة إلى الدول العربية فنجد أن هناك 20 دولة تطبق عقوبة الإعدام، كما أن هناك دولا جمدت تلك العقوبة، لكنها لم تلغها بقانون رسمي. ونجد أن المشرع العربي بصفة عامة، والبحريني بصفة خاصة قد حرصا من خلال الدستور والقوانين على توفير ضمانات المحاكمة العادلة، بما فيها حق الدفاع وحظر الإيذاء المادي والمعنوي، وتم تعزيز استقلالية القضاء ماليا وإداريا، في مملكة البحرين بموجب قانون السلطة القضائية، الصادر بمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 2002م تعديلاته. كما حرص المشرع على وضع كل الضمانات القانونية للمتهم بدءا من إجراء التحقيق، وأثناء المحاكمة وبعد صدور الحكم في الجرائم، التي نص القانون على الإعدام كعقوبة لها بغرض القصاص والزجر والردع العام لحماية الدولة والمجتمع من الجرائم الجنائية الجسيمة الماسة بحياة الأشخاص، والاتجار بالمخدرات وأعمال الإرهاب، والجرائم الماسة بالأمن الداخلي والخارجي للدولة. ضوابط وضمانات من الناحية القانونية ما الضمانات التي يتمتع بها المتهم أو المدان في مثل هذه القضايا؟ هناك ضوابط لتطبيق عقوبة الإعدام والضمانات القانونية المصاحبة لها، فمن خلال نظرة شاملة على تطبيق هذه العقوبة، نجد أن مملكة البحرين تتبع في دستورها تطبيق الشريعة الإسلامية، كما تتبع معظم الدول العربية في دساتيرها، تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، والتي تنص على تطبيق عقوبة الإعدام على الأفعال الإجرامية، التي تنطبق عليها هذه العقوبة. فالنصوص قطعية الدلالة والثبوت في مسألة الإعدام كحد من حدود الشريعة، ونرى أنه ينبغي النظر إلى عقوبة الإعدام، في إطارها الشامل وأبعادها الشرعية والقانونية والحقوقية، فالحق في الحياة حق أساسي للإنسان، لكنه ليس حقا مطلقا تماما، بل يخضع لضوابط ولا سيما منع الإفساد في المجتمع، يقول الله تعالى في محكم آياته (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون). فتحقيق الغاية من عقوبة الإعدام فيه حفاظ على حياة الفرد نفسه، لأن كل من يفكر في الإقدام على ارتكاب الجرائم المجرمة بموجب القانون، مع سبق الإصرار والترصد، وهو يعلم العقوبة سيمتنع عن تنفيذ جريمته حفاظا على حياته. وهناك دول ألغت عقوبة الإعدام، وتدرس حاليا إعادتها، بعد ارتفاع معدل الجرائم شديدة الخطورة، فعلى سبيل المثال: ألا يستحق جريمة المسجدين في نيوزيلندا، والتي وقع ضحيتها 50 من المصلين، الجزاء نفسه الذي ارتكبه بحق الأبرياء؟ كما أنه في الولايات المتحدة الأمريكية مازالت هناك 30 ولاية تطبق أحكام الإعدام بأساليب وأشكال مختلفة، نظرا إلى جدوى الغرض من تطبيقها. وهناك ضمانات لتطبيق عقوبة الإعدام أهمها نزاهة واستقلالية القضاء، وهناك العديد من الدول العربية وبينها مملكة البحرين، قد ضمنت دساتيرها وتشريعاتها ما يكفل تعزيز سيادة القانون ونزاهة واستقلال القضاء، باعتبارهم من أهم دعامات حماية حقوق الإنسان وحرياته. ويتمتع القضاء البحريني باستقلالية امتثالا للدستور الذي فصل بين السلطات، كما يشتمل القضاء على سلسلة من الإجراءات القانونية، لضمان المحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في الدفاع والمساعدة القضائية، وتكفل المملكة احترام الحقوق والحريات، وتوفر آليات وسبل الإنصاف القضائي وغيرها. ولاشك أن الدول العربية قد خطت خطوات واسعة نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال إقامة نظم قضائية متينة من شأنها إنفاذ القوانين، والعمل على إقامة مجتمع أكثر سلما وعدلا، وبشكل مواز خطت مملكة البحرين خطوات واسعة، نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ومن بينها الهدف السادس عشر والمتمثل في السلام والعدالة والمؤسسات القوية، لإقامة نظم قضائية أقوى من شأنها إنفاذ القوانين، الأمر الذي يتماشى مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي أطلقها جلالة الملك جلالة الملك عام 2008. ويقول المستشار مجبل: هناك العديد من الضمانات التي تتوافر للمتهم أثناء المحاكمة، في كل التشريعات العربية، والتي تضمنها المرسوم بقانون رقم 46 لسنة 2002 في مملكة البحرين، بشأن الإجراءات الجنائية وتعديلاته، على ضمانات متكاملة لحماية حقوق الإنسان في الحرية، والأمان الشخصي والعدالة الجنائية، من خلال توفير ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة، والتي تتاح له من خلالها الفرصة كاملة للدفاع عن نفسه، وفقا للمعايير الدولية، وحصر توقيع العقوبة في أضيق نطاق ممكن، وفي أشد الجرائم خطورة كالقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وجرائم الحرب والإبادة، والإرهاب المفضي إلى القتل. ومن تلك الضمانات استنفاذ جميع مراحل التقاضي، وحق المتهم بحضور محامٍ للدفاع عنه، والاستماع إلى أقواله وتمكينه من تقديم جميع دفوعاته، والطعن في الأحكام الصادرة لدى درجات التقاضي المختلفة، وانتهاء بتأييد محكمة التمييز، الأحكام الصادرة بحق المتهم، بضرورة صدور الحكم بإجماع آراء القضاة على الحكم، لتصبح الأحكام باتة ونهائية (استنفذت طرق الطعن العادية وغير العادية)، وتستوجب تنفيذ العقوبة موافقة أو تصديق الحاكم على الحكم بحسب الأحوال، على النحو الذي يحقق العدالة، ويحمي المجتمع ويحفظ أمن وسلامة الجميع. ضمانات بعد صدور الحكم وينوه المستشار الدكتور مجبل إلى أن هناك ضمانات للمتهم بعد صدور الحكم، ويقول: لقد صدر القانون رقم 18 لسنة 2014 حول الإجراءات المتبعة لتنفيذ عقوبة الإعدام، وقد روعي في المواد من 64 إلى 70 بأن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام، بناء على أمر كتابي من النائب العام، إلى مدير إدارة الإصلاح والتأهيل، ويتضمن بيان صيرورة الحكم بالإعدام باتا، وموافقة الحاكم عليه وتمكين أحد رجال الدين، من مقابلة المحكوم عليه، إذا كانت ديانة تفرض عليه الاعتراف، أو غيره من الفروض الدينية قبل التنفيذ، وتسهيل الإجراءات اللازمة، لكتابة وصيته إن طلب ذلك. ولا يجوز تنفيذ عقوبة الإعدام في أيام الأعياد الدينية الخاصة بديانة المحكوم عليه، كما لا تطبق العقوبة على من تقل عمره عن 18 سنة، وكذلك على المرأة الحامل حتى تضع مولودها، على أن ينفذ الحكم لاحقا بعد مضي مدة معينة تختلف باختلاف الأنظمة والقوانين بالدول. ويضيف: يجوز الإعفاء من الحاكم لمن حكم عليه بالإعدام، كما تجوز دفع الدية لأهل المجني عليه، مقابل التنازل عن تطبيق الحكم، ومن الأمثلة على العفو من عقوبة الإعدام ما تفضل به جلالة ملك البحرين، في أبريل 2018 بإلغاء عقوبة الإعدام ضد أربعة متهمين أدينوا في قضية إرهابية، وتم تخفيف العقوبة إلى السجن المؤبد. الإعدام في مواجهة الإرهاب وعن تطبيق عقوبة الإعدام في الجرائم الإرهابية يقول: واجهت الدول العربية منذ سنوات مواجهات ممتدة، مع إرهاب ممنهج في عدد من دول المنطقة، لاستهداف رجال الأمن والمدنيين والمنشآت والمرافق العامة، وقد واجهنا في مملكة البحرين، عند تطبيق عقوبة الإعدام قبل عامين على مدانين بجرائم إرهابية حملة من كيانات ومنظمات حقوقية، استندت إلى تقارير وبيانات مغلوطة تفتقد إلى المصداقية والموضوعية، وعندما قدمت مملكة البحرين الأسانيد والقرائن، وسلامة الضوابط والإجراءات والضمانات الأكيدة، التي تحقق العدالة وتحمي المجتمع وتحفظ أمن وسلامة الجميع، فضلا عن ضرورة احترام استقلال القضاء وأحكامه، وبالتالي بات هذا التدخل أداة من أدوات الضغط السياسي الذي يمارس على دولنا العربية، رغم أن لكل مجتمع خصوصيته.
مشاركة :