هناك شخصيات تعمل ثم تعمل إلى أن تحقق بعلمها وعملها إنجازات كبيرة تصل بها إلى مكانة عالية يصعب على كثيرين ممن هم في ذات المجال من الارتقاء والوصول إليهم؛ مما يؤدي بالتالي إلى رفع الحرج عن كل من يقرر أن يتحدث عن هذه الشخصيات وعن مكانتها، ويبعده عن دائرة المديح والإطراء السلبي. في المجال السياسي، الأمير سعود الفيصل من هؤلاء. من سلوكيات الفيصل الدبلوماسية أنه يجيد فصل الخطاب، وأنه يعي تمامًا متى، وأين، ومع من، وكيف يتحدث؟. الكلمة هي سلطته وسلاحه يدير مباشرها ومُضمرها بمهنية عالية، ينتج عن ذلك بأن تذهب رسائله إلى أهدافها مباشرة، وقلّما تخطئها. من خلال تجربة عابرة، أيقنت أنني لا أجيد الدبلوماسية ولا أملك أدواتها، ولكنني في نفس الوقت، على يقين أننا نحتاج إلى الشروع في قراءة عميقة ومتأنية للفكر الدبلوماسي للأمير سعود الفيصل، وأن نتأمل الأطوار والتحوّلات التي مرت بها هذه الشخصية؛ مما قد يكشف لنا عن مدرسة متفردة في الدبلوماسية ومنهجيتها. ويثبت ذلك التحركات والخطاب الذي يُقدِّمه ويتبنّاه الفيصل في هذه الظروف التاريخية، حيث نلاحظ أنه يقوم بدور تاريخي في التعبير عن مواقف المملكة السياسية والعسكرية والإنسانية تجاه القضايا الراهنة. ويأتي خطابه الذي ألقاه أمام مجلس الشورى كأحد أهم النماذج للخطابات التاريخية التي أطلقها الفيصل مؤخرًا وحسم من خلال مضامينها قضايا ومسائل أساسية. فقط أريد أن أُشير هنا إلى مقولته الحاسمة: «إننا لسنا دعاة حرب، ولكن إذا قرعت طبولها فنحن جاهزون لها». على اعتبار أن هذه المقولة تُشكِّل بذاتها خطابًا مستقلاً، عبّر به الفيصل عن مفهوم الواجب الخالص للدولة، وأكد من خلالها على مضامين وأسس نجد أن من أهمها: أولًا: التأكيد على أن سياسة المملكة كانت ولازالت تسير في فلك الجهود السلمية في معالجة أية قضية من القضايا على مستوى العالم، وأن خيارها الأول ونزعتها الكبرى تسير نحو الحوار والتفاهم والتفاوض حول أية خلاف ينشأ حول أية قضية من القضايا. وأنها دائمًا تتموضع وتقف في صف دعاة المحبة والسلام. ثانيًا: إعلان أن هذه النزعة السلمية لها حدود، وأن هناك أيضًا لغة أخرى تجيدها وهي لغة القوة العسكرية، وتستطيع استحضارها في أي وقت لمواجهة من يصر على المواجهة. وهي أيضًا بمثابة إعلان الاستعدادية والجاهزية التامة لاستخدام القوة والدفاع عن المصالح العليا للوطن والمقدسات متى ما تتطلب الأمر ذلك. ثالثًا: ترسيخ مفهوم العزّة الذي لا يعني الفخر، وبعض جوانبه السلبية، وإنما التأكيد على عظم الإحساس بتحمل المسؤولية، والإيمان الراسخ بإذن الله بقوتنا وقيمنا ومبادئنا. إن خطاب الفيصل جاء ليقول وينقل للعالم حقيقة أن المملكة العربية السعودية، بقيادتها ومواطنيها، يعون تمامًا واجبهم نحو الظروف الراهنة، وأنهم مُدركون لحجم هذه الظروف التاريخية، وأن لديهم الاستعدادية والجاهزية لمواجهتها بإذن الله. بكلمة واحدة أراد الفيصل أن يؤكد لنا ويقول للعالم: في السلم كما في المواجهة والحرب، إننا جاهزون لنصنع تاريخًا على آخر. A1250@hotmail.com
مشاركة :