منتدى أصيلة يناقش إكراهات التنمية في دول الجنوب

  • 6/26/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

شكّل موضوع التنمية المستدامة والإشكالات المتعلقة بتفعيل أهدافها الاجتماعية والبيئية والإنسانية، محل نقاش واسع من قبل الخبراء والمسؤولين المغاربة والدوليين، في الندوة الثانية الكبرى التي أجريت في 24 و25 من يونيو الجاري، بعنوان “التنمية المستدامة وإكراهات دول الجنوب”، المندرجة ضمن أشغال موسم منتدى أصيلة الثقافي في نسخته الـ41، الممتد إلى غاية 12 يوليو القادم، والتي تحتضنها مدينة أصيلة المغربية. وأوضح أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، محمد بن عيسى، أن الندوة تسعى لاقتراح تصورات من شأنها التغلب على إكراهات التنمية في دول الجنوب، مسجلا أن جهود التنمية في مختلف بلدان العالم، لم تحصد المستوى المرجو. والتنمية المستدامة هي عبارة عن مجموعة من 17 هدفًا وُضعت من قِبل منظمة الأمم المتحدة، وقد ذُكرت هذه الأهداف في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2015 وفي 1 يناير 2016، أدرجت أهداف التنمية المستدامة الـ17 في خطة التنمية المستدامة لعام 2030. وتتصدى هذه الأهداف للتحديات العالمية التي نواجهها، بما في ذلك التحديات المتعلقة بالفقر وعدم المساواة والمناخ وتدهور البيئة والازدهار والسلام والعدالة. وتقول الأمم المتحدة إنه من المهم تحقيق كل الأهداف بحلول عام 2030.وأشار فيوك جيرميكش، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة 67، الذي كان من المساهمين في صياغة ومناقشة التقرير المتعلق بالتنمية المستدامة في العام 2013، إلى أنه رغم موافقة 193 دولة على أهداف هذه الرؤية الأممية إلا أنها لم تتحقق بعد على أرض الواقع، وقد رُفعت أجندة التنمية المستدامة للعام 2030 إلى أعلى مستوى لكن تنفيذها شهد نوعا من التباطؤ، حيث ازدادت التحديات كثافة على المستوى العالمي أمام مشاكل وأزمات سياسية واجتماعية غير متوقعة. ورغم أن الأهداف التي رصدتها أجندة 2030 جريئة وجديدة، وهي تمثل رؤية شاملة ومتكاملة وتحويلية من أجل عالم أفضل. لكن الخبراء الذين شاركوا في الندوة رصدوا جملة من الإخلالات في العملية التنموية. حيث بدا لافتا أنّ توفير الموارد المالية للعالم النامي بقي غامضا سواء من حيث الكم أو الكيف وبقيت مشاريع الإصلاح معلقة. ومن التحديات التي تواجهها جهود التنمية اشتعال الحروب التجارية بين الأقطاب الاقتصادية ليخل ذلك بالتوازن التجاري في العالم ويعمق الفوارق بين دول الشمال والجنوب. إضافة إلى ذلك ساهمت الصراعات والحروب الأهلية الدائرة في أكثر من جبهة في دول العالم النامي باستنزاف الموارد التنموية. ويؤكد ميغيل أنخيل موراتينوس، الممثل السامي للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، أنه لبلوغ أهداف الألفية الثانية، يستوجب تقليص الفوارق والقضاء على المجاعة والفقر والرفع من مستوى التعليم وضرورة معالجة أهم القضايا السياسية التي تعيق عملية التنمية، معتبرا أن التركيز على هدف واحد دون غيره سيكون خطأ منهجيا. وربط بعض الخبراء تباطؤ عملية التنمية بعدم إيفاء القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى بتعهداتها المالية تجاه الدول النامية والفقيرة. وتساءل وزير خارجية الرأس الأخضر السابق، فكتور بورغيس، عما إذا كانت القوى الاقتصادية أوفت بالتزاماتها المالية من أجل تنفيذ أجندة 2030، وإذا ما كانت الالتزامات التي تم اتخاذها تمثل إرادة مؤسسية حقيقية لكل من دول الشمال والجنوب، لافتا إلى أن الالتزامات المالية السابقة لم يتم الوفاء بها. بدورها نددت بشرى رحموي، مديرة البحوث والشراكات والفعاليات بمركز السياسات من أجل الجنوب، بعدم التزام القوى العظمى بدعم الدول النامية من أجل استئصال الفقر الذي لازالت نسبه مرتفعة على المستوى العالمي، إضافة إلى الخدمات الصحية الضعيفة خاصة بالقارة الأفريقية التي سجلت أعلى نسبة وفيات للأطفال. وتبدو أهداف الأجندة الأممية مثالية لكن يصعب تحقيقها في إطار منظومة سياسية عالمية تحقق البؤس أكثر من الثروة وتشجع الحرب أكثر من السلم، حسب آراء الخبراء. وهناك تصورات خاطئة حول التمويل والتنمية، فالنمو شيء والتنمية شيء آخر، وقد أجمع المشاركون في الندوة على ضرورة تعويل الدول النامية على قدراتها الذاتية من خلال ترشيد وتحسين الجباية وتسيير المؤسسات بحكامة مما يمكنها من تحقيق الكثير في مجال التنمية. من جهته يشير عمر العبدلي، مدير إدارة الدراسات والبحوث بمركز المنامة، بالبحرين، إلى أنه لا يمكن إلزام الدول المتقدمة بتقديم مساعداتها من منطلق أخلاقي، فعلى الدول النامية اعتماد استراتيجية تحسن من خلالها جهود التنمية عبر دعم ذاتي، فخبرة المجتمع الدولي في تقديم المساعدات سلبية جدا، ولم يتردد في وصف المساعدة الأجنبية بأنها تندرج ضمن نوايا خبيثة وبأنها نسخة من الاستعمار الجديد. قضية التمويلتساءل الخبراء في الندوة عن كيفية تحقيق أفضل النتائج التنموية وتبرير نجاعة هذه الأهداف التي تستحق استثمارات جمّة من طرف دول الشمال نحو البلدان الأقل حظا في التنمية. وأكد فيوك جيرميكش، وزير خارجية صربيا سابقا، أن تباطؤ تحقيق الأهداف المسطرة في الأجندة كان نتيجة عدم انخراط كل الدول الموقعة بشكل جدي ومرضي في توجيه الاستثمارات والدعم لفائدة دول الجنوب، ومرد ذلك انعدام الرغبة السياسية. وفي ما يتعلق بالالتزامات والتعهدات المالية الثنائية والمتعددة الأطراف، يشير خبراء إلى أن هناك أزمة ثقة تجاه بعض الأطراف التي قد تتلقى تمويلا لكن لن توظفه لصالح التنمية، والأجدر هنا أمام بلدان الجنوب توحيد الصفوف وبناء الأرضية المشتركة والتعويل على قدراتها الذاتية حتى لا تبقى في الهامش. ويقول حسن أبوأيوب، وزير وسفير مغربي سابق لدى بوخارست، إن قضية تمويل التنمية وإسهام الدول المتقدمة ليست موضوعا محدودا لدى المانح والمستفيد لأن هذا الأخير لديه إمكانيات مالية كبيرة، لكن توظيفها هو جوهر الإشكال، وبالتالي لابد من الحديث عن الحكامة كعنصر فعال في تحقيق التنمية المستدامة بالدول النامية. فانتشار الحروب له صلة بفشل التنمية وبتغير المناخ واتساع دائرة الفقر، فالمشكل سياسي بالدرجة الأولى وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في العام 2030 مرتبط بلا شك باعتبارات سياسية، وشدد أبوأيوب، أن ما يحدث في سوريا واليمن وليبيا والجزائر حاليا يدفعنا إلى الجزم بأن تحقيق الأهداف المرجوة لن يحصل باستحضار جدلية الاتفاق وإمكانيات التحقيق. وأجندة 2030 طوعية ولا تشتمل على عقوبات في حق الذين لا يمتثلون لتدابيرها، ويعتقد جيرميكش، أن الأجندة بمثابة عهد ذي قيمة أخلاقية يخص خير البشرية لتحقيق التنمية المتوازنة، وبالتالي فميزتها أنها غير إلزامية وهذا يدفعنا إلى القول إن دول الشمال لابد أن تتحمل المسؤولية وتبدي تضامنها مع دول الجنوب، وإلا ستتحطم هذه القاعدة الأخلاقية والاقتصادية التي ستخدم على المدى المتوسط والبعيد الأجيال القادمة. من جهته يشير أبوأيوب، رئيس قسم القضايا الناشئة المتعلقة بالنزاعات، التابعة للمفوضية الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، ببيروت، إلى أن أجندة 2030 وسعت موارد التنمية لتشمل المساعدات الرسمية من خلال حشد تمويلات أخرى، وقد تملصت الدول المتقدمة من مسؤولياتها دون تمويل أهداف التنمية ولم تلتزم غير 4 دول، والمشكلة في كيفية استعمال تلك الموارد خاصة وأن جزءا منها يتم حذفه من مخصصات اللاجئين في أوروبا. ولا يقدم جزء من أموال المساعدة في إطار استثمارات مجدية بل يخصص للسوق الاستثمارية بالدول النامية، عبر شركات تابعة للدول المانحة، فمقابل دولار واحد يدخل للاستثمار يخرج 2.5 على شكل أرباح. كما أن خفض المديونية لم يحل مشاكل الدول النامية إذ لابد من إقرار آلية مبتكرة لتحييد تلك المديونية. وربط الخبراء المشاركون بالندوة بين التسامح والتعايش والتحاور وبين التنمية المستدامة، فبقدر ما توسعت قاعدة التعايش نضجت شروط التنمية. واعتبر ميغيل انسولا، وهو وزير خارجية سابق، لدولة تشيلي، أنه في ظل العولمة لا يجب أن تعيش الدول المتوسطة على الهامش، ولابد من الانخراط الجدي في جهود التنمية، فنفوذنا في العالم محدود ما يشجع على إقامة علاقات مثمرة ثنائية ومتعددة بناءة انطلاقا من مميزاتنا الخاصة. التضامن من أجل التنميةمما لا شك فيه هو أن المنظومة الدولية ككل في حاجة إلى تحسين. ويعرب مانويل غونزاليس، وزير خارجية سابق بسان خوسي، عن تشاؤمه إزاء الأوضاع الدولية الراهنة لتأثير النزاعات على عملية التنمية، فالعيش بكرامة وإبعاد شبح الجوع والفقر تحديات كبرى يجب ربحها، والمطلوب أن تتحول أجندة 2030 واتفاقيات المناخ إلى سياسات حكومية حقيقية، والالتزام يكون مصحوبا بالتضامن والتكامل محليا وإقليميا. واستنتج أنخيل موراتينوس بالقول، إن الشراكة والتحالف والتضامن موضوع بالغ الأهمية لإنجاح الأجندة الأممية من خلال توحيد صفوف كل من له علاقة بالتنمية المستدامة من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. ومن شروط التنمية تحقيق السلام الدولي وفض النزاعات. فلا يمكن إقرار تنمية دون سلام والعكس صحيح. وقد سلط أنخيل موراتينوس وزير خارجية إسبانيا الأسبق، الضوء على أهمية الأمن والسلام والاستقرار في عملية التنمية. وهو لا ينكر أن أجندة 2030 واقعية تشمل التنمية الاقتصادية والبيئية والاجتماعية لكن ما لم يكن هناك سلام وأمن لن نصل إلى هذا المبتغى. ويوافقه في الرأي المشاركون في الندوة الذين أكدوا أن السلم والاستقرار شرطان من شروط تحقيق التنمية، في حين أن انجرار دول العالم النامي إلى الصراعات السياسية والطائفية يصعّب من هذه المهمة. ويؤكد رفائيل طوغو، مستشار رئيس جمهورية كينيا سابقا، أنه لا مجال للاستقرار دون تنمية مستدامة فهذه الأخيرة ضرورة ملحة، لافتا إلى أن مساعدة دول الشمال لا مناص منها فويلات الحروب تنعكس سلبا عليها. ويتفق معه بورغيس منسق الندوة، حول مسؤولية دول الشمال في دعم الجنوب موضحا أن التنمية المستدامة تقتضي الاستثمارات والحاجة إلى التمويل الخارجي والداخلي وتسخير الموارد بكل حكامة ومردودية والتحكم في الثروة الداخلية وعدم تبديدها على التسليح وإذكاء الصراعات.نماذج تنموية ناجحة اعتبر فيوك جيرميكش، المسؤول الأممي، أن المغرب الدولة الوحيدة في أفريقيا التي انخرطت في أهداف التنمية بشكل جدي واستطاعت التأقلم مع تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، إذ استطاع أن يجري إصلاحات وتدابير للحد من انبعاث الكربون وتوسيع نطاق الاستفادة من الطاقة الشمسية وتنقية المياه ومعالجتها وتحلية مياه البحر، وهذا يعني أن أهداف التنمية المستدامة قابلة للتطبيق. أما أحمد هاشم اليوشع، الخبير بمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة، فتحدث عن التجربة الخليجية على إثر التحول الكبير في هذه البلدان والذي حصل بين سنتي 1972 و1974، بسبب صعود أسعار النفط وما خلفه من ثروة هائلة من الأموال جعلت صاحب القرار في مجمل دول الخليج يقرر الاستثمار في التنمية المحلية. وأشار اليوشع إلى انفتاح دول الخليج على العالم وجلب العمالة بعدما وصلت البطالة هناك إلى الصفر ما أفرز اقتصادا قويا ومنفتحا، وأبانت الإحصائيات للعام 2017 عن انخفاض نسبة وفيات الأطفال وارتفاع مؤشر متوسط العمر وتحسن الخدمات في مختلف المجالات وتقلص معدل الفقر. وما يميز النموذج الخليجي، أنه معولم تماما على مستوى سوق المال والعمل، وقد استفاد الخليج العربي من انفتاحه على العالم وتقاسم الثروات من زاوية العمل فكل من اشتغل مع أي دولة خليجية استطاع تحسين دخله. من جهة ثانية استطاعت دول الخليج نقل الصناديق السيادية لتستثمر في كل دول العالم حتى تستفيد وتفيد، وكانت الكويت أول من وظف هذه الآلية، وبذلك استطاعت المرور تنمويا من دولة بسيطة إلى نموذج متطور.

مشاركة :