تأملات إيمانية في آيات القرآن الكريم النظام الجوي للأرض في القرآن الكريم (1) (Atmospheric System - 1)

  • 6/29/2019
  • 00:00
  • 33
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثنا في مقال سابق عن النظام المائي (الهيدرولوجي) في القرآن الكريم وفى هذا المقال نتحدث عن النظام الجوى (Atmospheric System) كما جاءت أسسه في القرآن الكريم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وتوافقت معه العلوم الحديثة بعد الكشوف العلمية المتوالية في هذا المجال. ولنلق نظرة على موضوع الأحوال الجوية في الحضارات التي سبقت ظهور الإسلام. ترجع المعلومات الأولى عن الظواهر الجوية إلى الحضارات القديمة، وبالرغم من اختلافاتهم في تفسير أسبابها فإنهم أجمعوا على عبادتها، وتقديم القرابين إليها خوفا منها، ومنهم المصريون القدماء، والبابليون، والسوريون القدماء، والإغريق، وقدماء الصينيين والهنود. ففي مصر القديمة اعتقدوا أن الظواهر الجوية تخضع للآلهة، وعبدوا رع إله الشمس، وربط البابليون الأرصاد الجوية بعلم الفلك، واعتبروا الرعد سوطا جاء يلهب ظهور المنحرفين، وفى العصر الحثّى في شمال سوريا عبدوا الطقس بكل مظاهره رعية وملوكا، وفى اليونان القديمة وصف أرسطو الغلاف الجوى بأنه المنطقة المشتركة للنار والهواء، وكان لكل ظاهرة جوية إلها خاصا بها، وشكل الصينيون مجلسا لوزراء أرباب العواصف الرعدية ومساعديهم، وكانت الربة (تين ميو) إلهة البرق تحمل مرآتين لتوجيه الشرارات المحرقة بعيدا عن البلاد. أما في الهند القديمة فقد ظهر فيها مفهوم يسمى (الضجرا)، أي الحجر الساقط من السماء وهو الذي يسبب الصواعق، وكانت تنحت تماثيل (بوذا) وبيده اليمنى حجر ليمنع به سقوط الصواعق، وبجرس في يده اليسرى كي ينذر الناس بقرب حدوثها. وبدأ التفكير في الظواهر الكونية بصورة تأملية - بعيدا عن التصور الأسطوري - في عصور متأخرة عند الإغريق، ولكنهم لم يصلوا إلى حقائق علمية تفسر هذه الظواهر. أما العرب - كما ذكر ابن خلدون - فلم يكونوا أهل كتاب ولا أهل علم، لغلبة الأمية والبداوة عليهم، وكانوا إذا ما أرادوا معرفة شيء مما تتشوق إليه النفس البشرية في أسباب المكونات، وبدء الخليقة، سألوا عنه أهل الكتاب، إلى أن جاء الإسلام، فكان بداية تحري الصحة، وتأسيس مفاهيم سليمة عن الأحوال الجوية. وقد حفلت آيات القرآن الكريم بكثير من المواضع التي ذكرت فيها مكونات الأحوال الجوية من سحب ورياح وأمطار وبرد ورعد وصواعق...إلخ، وطريقة تفاعل هذه المكونات ومسبباتها، ومن تلك الآيات قوله تعالى في السحب وتساقط البرد: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ) (النور43). وقد أوضحت آيات القرآن الكريم طريقة تكوين السحب وتراكمها (فيما يعرف علميا بالسحب الركامية)، بأن تسوق الرياح قطعا من السحب الصغيرة إلى مناطق تجميع (Convergence zones)، ويؤدي ذلك التجمع إلى زيادة كمية بخار الماء الموجود في السحب، ومن المعلوم أن سرعة السحب تكون أبطأ من سرعة الرياح المسيرة لها، وذلك عندما تكون محملة بكميات كبيرة من بخار الماء، وكلما كبر حجم السحابة كانت سرعتها أبطأ، وذلك بسبب تأثير ما يسمى قوة الإعاقة (Drag-Force)، كذلك تقل سرعة الرياح عامة كلما اتجهنا إلى مناطق التجمع، نظرًا إلى وجود كميات كبيرة من السحب، ما يعوق حركة الرياح. وعندما تلتحم سحابتان أو أكثر، فإن تيارات الهواء الصاعدة داخل السحابة تزداد بصفة عامة، ويؤدى ذلك إلى جلب مزيد من بخار الماء من أسفل قاعدة السحابة، والذي بدوره يزيد من الطاقة الكامنة للتكثف، والتي تعمل على زيادة سرعة التيار الهوائي الصاعد دافعا بمكونات السحابة إلى ارتفاعات أعلى، وتكون هذه التيارات قوية جدا وسط السحابة وتقل قوتها عند الأطراف، ما يؤدي إلى (ركم) هذه المكونات على جانبي السحابة فتظهر كالنافورة أو البركان الثائر الذي تتراكم حممه على الجوانب. وقد ثبت لعلماء الأحوال الجوية أن التحام السحب يؤدي إلى زيادة كبيرة في الركم، ومن ثم زيادة سمك السحاب، وأن تجمعا من الدرجة الأولى (بحسب تصنيف العلماء) (First-order merger)، يؤدي إلى عشرة أضعاف المطر المنتظر، وتجميعها من الدرجة الثانية (Second-order merger)، يؤدي إلى مائة ضعف كمية الأمطار المتوقعة. وعندما تتكون هذه السحب الركامية على ارتفاعات شاهقة، تتكون في قاعدتها قطرات من الماء شديدة البرودة، وحبات برد في الوسط، أما القمة فتسودها بلورات الثلج، وهذا السحاب هو الذي تكون زخاته من الماء أو البرد أو كليهما، وهو السحاب الركامي المزني الذي يكون في شكل الجبال. وعندما تتزايد عمليات الركم، تعجز تيارات الرياح الرأسية عن حمل مكونات السحب، التي تبدأ بالهبوط مباشرة إلى أسفل كمطر أو برد، وفى حالة وجود تيارات هواء صاعدة تواجه السحب الهابطة، تحدث تصادمات ينتج عنها تحول قطرات المطر شديدة البرودة إلى ثلج يغطي حبات البرد، فتكبر وتستمر في الكبر فيثقل وزنها ولا تستطيع تيارات الهواء الصاعدة حملها، فتهبط (بردا)، وقد شوهدت حبات من البرد بحجم البرتقالة، والتي تعد دمارا عاما للزراعة (فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ). تشابهت الرؤى الإنسانية، وكذلك تفسيرات الديانات الوضعية في هذا المجال، والتي نحت إلى مناح أسطورية وغير عقلانية رغم اختلاف الحضارات وتباين المنشأ والمكان، بينما نزلت آيات الله سبحانه وتعالى برؤية علمية وتفصيلية واضحة، تعد في مصاف النظريات العلمية، سبحان الله، هذا هو الإخبار الإلهي في آيات القرآن الكريم، عن حقائق علمية دقيقة في مجال الأحوال الجوية، لم تعرف إلا في القرن التاسع عشر، عندما بدأ علم الأرصاد الجوية في التقدم والتطور.

مشاركة :