د. محمد عطا مدني من الموضوعات الحيوية التي تشغل العالم الآن، انتشار استخدامات الطاقة الذرية أو النووية، كمصدر من مصادر الطاقة والأغراض السلمية الأخرى، وتحاول الدول الكبرى التي صنعت القنابل الذرية أن تحد من انتشار هذه الصناعة عن طريق المعاهدات مع بعض الدول حتى تضمن استخدامها للأغراض السلمية فقط، لأن انتشار هذا النوع من القنابل يمكن أن ينهى الحياة على كوكب الأرض. وتُعدّ الذرة المكون الأساسي لجميع المواد الموجودة في الكون، فلكل عنصر تركبيه الذري الفريد وخصائصه الفيزيائية المميّزة له اعتماداً على كتلته الذريّة، وتعرّف الذرّة (Atom) بأنها أصغر شيء يمكن الحصول عليه في المادة عند تقسيمها، وهي متعادلة الشحنة، وإذا تمّت تجزئة الذرة فإن أجزاءها ستمتلك شحنة كهربائية. وقد مرت الذرة بالكثير من مراحل الدراسة حتى وصل العلماء إلى ما نعرفه اليوم عن مكونات الذرّة، فهي تتكون من بروتونات موجبة الشحنة، ونيوترونات متعادلة الشحنة، وإلكترونات سالبة الشحنة، ويحدد عدد كلٍّ منها نوع العنصر. والذرّة كانت معروفة منذ زمن بعيد بأنها الجزء الذي لا ينقسم، ولم يطرح موضوع وزن الذرة في الكتب والعلوم القديمة مطلقا، حتى جاء القرآن الكريم ليخبرنا بوزنها، قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً» (النساء 40) «وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ» (يونس 61). «عالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ» (سبأ 3) ويتضح من سياقات الآيات الكريمات وزن الذرة، فورود لفظ (الذرّة) وقبله دائما لفظ (مثقال) يعني أن الذرة لها وزن..! والمتأمل في المعنى اللغوي لقوله تعالى: «ولا أصغر من ذلك ولا أكبر» يتضح له أن (لا) أداة نفي، والمفردات (أصغر) هي صيغة تفضيل على وزن (أفعل) تفيد المبالغة في شدة الصغر، و (ذلك) ذا: إسم إشارة، واللام للبعد، والكاف للخطاب. (ولا أصغر من ذلك) تعود إلى جملة (مثقال ذرة) وهذا وارد في (جامع البيان في تأويل القرآن) للقرطبي، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على أن مكونات الذرة لها وزن وبالتالي فإن الإلكترونات والبروتونات والنيترونات لها وزن، وهذا ما جاءت به العلوم النووية الحديثة، ليتم اكتشاف ذلك في القرن الماضي فقط. ولأن القرآن كتاب إعجاز وإيجاز، وكتاب الجزالة في التعبير والتوضيح في المعنى، لذلك قال الله عز وجل (ولا أصغر من ذلك) ولم يقل (ولا أصغر منها) لأن ذلك يفيد البعد. والذرة بعيدة عن متناول الأيدي، ولا تُرى بالعين المجردة، وكذلك مكوناتها، فتكون الإشارة هنا إلى أن الذرة كون آخر تعيش بين ثناياها العناصر المكونة لها. ويرد مفهوم استخدامات الطاقة الذرية في القرآن الكريم بشكل إعجازى في قوله جل وعلا في الآية السادسة من سورة التحريم: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ» (التحريم 6). وقد اتفقت معظم التفاسير على معنى واحد تقريبا لهذه الآية الكريمة، وهو توجيه المؤمنين إلى طاعة الله واتقاء معاصيه، بتقوى الله سبحانه وتعالى وأمر أهليهم بذلك، وأن الأحجار في هذه الآية الكريمة والتي اتخذت كوقود للنار المتقدة، هي أصنامهم التي عبدوها. ولكن الإشارة القرآنية إلى الحجارة جاء على إطلاقه، فلم تحدد الآية الكريمة صفة هذه الحجارة ولا أوصافها، ومعنى ذلك أن لفظ الحجارة يعنى كل حجارة على وجه الأرض، وليست الأصنام وحدها، وأنها ستكون وقود النار يوم القيامة مع أجساد البشر من العصاة. واستخدام الحجارة كوقود، أمر لم نعهده في الدنيا حتى وقت قريب، وطبقا لطبيعة الحجارة وتعريفها الكيميائي، يقول الباحث في هيئة الإعجاز العلمي بمكة المكرمة، هشام عبدالرحمن حسن (إن استخراج الطاقة من الحجارة لا يمكن أن يتم إلا في حالة واحدة، وهي تحرير الطاقة المختزنة في أنوية ذراتها، وهذا لا يحدث إلا بالتفاعل النووي الانشطاري. والذي لا يتم إلا في وجود درجات حرارة عالية جدا. وإذا وضعنا حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم بجوار هذه الحقيقة العلمية، والذي يقول فيه: «ناركم هذه التي يوقدها ابن آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم»، لاكتمل المعنى المراد للآية الكريمة التي أشارت إلى استخدام الحجارة كمصدر للوقود، وأن جهنم تتميز بدرجات حرارة عالية جدا، وهذه الحرارة تتيح كيميائيا حدوث التفاعل النووي. وانبعاث الطاقة الذرية من الحجارة لتتقد نار جهنم. فالآية الكريمة تظهر وجه إعجاز جديد لم يتوصل إليه المفسرون الأجلاء القدامى، لعدم توافر الأبحاث الكيميائية والفيزيائية الحديثة في زمنهم، والتي اكتشفت بعض جوانبها في السنوات الأخيرة. فالآية الكريمة لم تذكر أشياء غريبة عن مفهومنا الآن، فقد ذكرت صلاحية أجساد الناس والحجارة كوقود، وهذا يتماشى مع القوانين الكيميائية الحديثة، ولهذا بينت الآية الكريمة بجلاء صورة إعجازية جديدة تعطي السبق للقرآن الكريم على أي كتاب آخر في الوصف الدقيق للقوانين العلمية حول الطاقة والكتلة، والتي اكتشفت حديثا. وقد تميز اللفظ القرآني بالدقة الشديدة في وصف هذه الصورة الرهيبة التي مرت على أذهاننا كثيرا من دون التأمل فيها بطريقة كافية ومتعمقة، إذ إن الرعب الذي نشعر به عند قراءة هذه الآية الكريمة، تجعل أجسامنا ترتجف خوفا وهلعا من مصير بعض العصاة والمفسدين والمنافقين، ونستعيذ بالله سبحانه وتعالى من شر هذه النار المتقدة، فلا ننتبه أحيانا لما في الآية الكريمة من قوانين علمية حديثة بمفهوم العصر الحالي. ويمكن فهم مدلول الآية الكريمة جيدا إذا عرفنا أن (نار الدنيا) التي أشار إليها حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)، ليست هي النار التي تتبادر إلى الذهن من أنها نتاج حرق بعض الأخشاب وفروع الأشجار الجافة التي نوقدها لإعداد طعامنا، بل يدخل في مفهوم نار الدنيا ما يتم في المصانع الآن من استخدام درجات حرارة عالية جدا تصل إلى آلاف الدرجات المئوية، التي تستخدم لصهر الحديد وإعادة تشكيله لصنيع الآلات الضخمة والرافعات العملاقة، والأسلحة والقطارات بمختلف أنواعها وأشكالها. وما يستخدم في الأبحاث العلمية من حرارة قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية، وهذه كلها تعد جزءا من سبعين جزءا من نار جهنم في الآخرة..! والأساس النظري لهذه الفكرة تتبلور في أنه يمكن لأي (كتلة) أن تتحول إلى (طاقة)، فالكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة، طبقا لمعادلة الكتلة والطاقة لأينشتين التي قال بها عام 1905م. وعليه، يمكن تحويل أي مادة إلى طاقة، وغالبية الأحجار الموجودة على سطح الأرض، هي أملاح من ناحية تركيبها الكيميائي وتوجد في شكل مركبات أيونية، ومصدر الطاقة في الحجارة مختزنا في أنوية الذرات، وهي الطاقة النووية التي لا يمكن أن تتحرر إلا بالتفاعل النووي الإنشطاري، وهذه الطاقة هائلة جدا، ولا تنطلق إلا عند التسخين الشديد تحت درجات فائقة الحرارة. ولهذا جاء التحذير الإلهى للعصاة والمفسدين في الأرض في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»، صدق الله العظيم.
مشاركة :