(تأملات إيمانية في آيات القرآن الكريم)(الطاقة الذرّية في القرآن الكريم)

  • 1/6/2023
  • 01:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

د‭. ‬محمد‭ ‬عطا‭ ‬مدني من‭ ‬الموضوعات‭ ‬الحيوية‭ ‬التي‭ ‬تشغل‭ ‬العالم‭ ‬الآن،‭ ‬انتشار‭ ‬استخدامات‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬أو‭ ‬النووية،‭ ‬كمصدر‭ ‬من‭ ‬مصادر‭ ‬الطاقة‭ ‬والأغراض‭ ‬السلمية‭ ‬الأخرى،‭ ‬وتحاول‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬صنعت‭ ‬القنابل‭ ‬الذرية‭ ‬أن‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬المعاهدات‭ ‬مع‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬حتى‭ ‬تضمن‭ ‬استخدامها‭ ‬للأغراض‭ ‬السلمية‭ ‬فقط،‭ ‬لأن‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬القنابل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينهى‭ ‬الحياة‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭. ‬ وتُعدّ‭ ‬الذرة‭ ‬المكون‭ ‬الأساسي‭ ‬لجميع‭ ‬المواد‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬الكون،‭ ‬فلكل‭ ‬عنصر‭ ‬تركبيه‭ ‬الذري‭ ‬الفريد‭ ‬وخصائصه‭ ‬الفيزيائية‭ ‬المميّزة‭ ‬له‭ ‬اعتماداً‭ ‬على‭ ‬كتلته‭ ‬الذريّة،‭ ‬وتعرّف‭ ‬الذرّة‭ (‬Atom‭) ‬بأنها‭ ‬أصغر‭ ‬شيء‭ ‬يمكن‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬عند‭ ‬تقسيمها،‭ ‬وهي‭ ‬متعادلة‭ ‬الشحنة،‭ ‬وإذا‭ ‬تمّت‭ ‬تجزئة‭ ‬الذرة‭ ‬فإن‭ ‬أجزاءها‭ ‬ستمتلك‭ ‬شحنة‭ ‬كهربائية‭. ‬وقد‭ ‬مرت‭ ‬الذرة‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬الدراسة‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬العلماء‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬نعرفه‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬مكونات‭ ‬الذرّة،‭ ‬فهي‭ ‬تتكون‭ ‬من‭ ‬بروتونات‭ ‬موجبة‭ ‬الشحنة،‭ ‬ونيوترونات‭ ‬متعادلة‭ ‬الشحنة،‭ ‬وإلكترونات‭ ‬سالبة‭ ‬الشحنة،‭ ‬ويحدد‭ ‬عدد‭ ‬كلٍّ‭ ‬منها‭ ‬نوع‭ ‬العنصر‭. ‬والذرّة‭ ‬كانت‭ ‬معروفة‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬بعيد‭ ‬بأنها‭ ‬الجزء‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينقسم،‭ ‬ولم‭ ‬يطرح‭ ‬موضوع‭ ‬وزن‭ ‬الذرة‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬والعلوم‭ ‬القديمة‭ ‬مطلقا،‭ ‬حتى‭ ‬جاء‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ليخبرنا‭ ‬بوزنها،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭:‬ ‭ ‬‮«‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬لا‭ ‬يَظْلِمُ‭ ‬مِثْقالَ‭ ‬ذَرَّةٍ‭ ‬وَإِنْ‭ ‬تَكُ‭ ‬حَسَنَةً‭ ‬يُضاعِفْها‭ ‬وَيُؤْتِ‭ ‬مِنْ‭ ‬لَدُنْهُ‭ ‬أَجْراً‭ ‬عَظِيماً‮»‬‭ (‬النساء‭ ‬40‭)‬ ‮«‬وَما‭ ‬يَعْزُبُ‭ ‬عَنْ‭ ‬رَبِّكَ‭ ‬مِنْ‭ ‬مِثْقالِ‭ ‬ذَرَّةٍ‭ ‬فِي‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬وَلا‭ ‬فِي‭ ‬السَّماءِ‭ ‬وَلا‭ ‬أَصْغَرَ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذلِكَ‭ ‬وَلا‭ ‬أَكْبَرَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬فِي‭ ‬كِتابٍ‭ ‬مُبِينٍ‮»‬‭ (‬يونس‭ ‬61‭).‬ ‮«‬عالِمِ‭ ‬الْغَيْبِ‭ ‬لا‭ ‬يَعْزُبُ‭ ‬عَنْهُ‭ ‬مِثْقالُ‭ ‬ذَرَّةٍ‭ ‬فِي‭ ‬السَّماواتِ‭ ‬وَلا‭ ‬فِي‭ ‬الْأَرْضِ‭ ‬وَلا‭ ‬أَصْغَرُ‭ ‬مِنْ‭ ‬ذلِكَ‭ ‬وَلا‭ ‬أَكْبَرُ‭ ‬إِلَّا‭ ‬فِي‭ ‬كِتابٍ‭ ‬مُبِينٍ‮»‬‭ (‬سبأ‭ ‬3‭)‬ ويتضح‭ ‬من‭ ‬سياقات‭ ‬الآيات‭ ‬الكريمات‭ ‬وزن‭ ‬الذرة،‭ ‬فورود‭ ‬لفظ‭ (‬الذرّة‭) ‬وقبله‭ ‬دائما‭ ‬لفظ‭ (‬مثقال‭) ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الذرة‭ ‬لها‭ ‬وزن‭..! ‬والمتأمل‭ ‬في‭ ‬المعنى‭ ‬اللغوي‭ ‬لقوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬ولا‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬أكبر‮»‬‭ ‬يتضح‭ ‬له‭ ‬أن‭ (‬لا‭) ‬أداة‭ ‬نفي،‭ ‬والمفردات‭ (‬أصغر‭) ‬هي‭ ‬صيغة‭ ‬تفضيل‭ ‬على‭ ‬وزن‭ (‬أفعل‭) ‬تفيد‭ ‬المبالغة‭ ‬في‭ ‬شدة‭ ‬الصغر،‭ ‬و‭ (‬ذلك‭) ‬ذا‭: ‬إسم‭ ‬إشارة،‭ ‬واللام‭ ‬للبعد،‭ ‬والكاف‭ ‬للخطاب‭. (‬ولا‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭) ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬جملة‭ (‬مثقال‭ ‬ذرة‭) ‬وهذا‭ ‬وارد‭ ‬في‭ (‬جامع‭ ‬البيان‭ ‬في‭ ‬تأويل‭ ‬القرآن‭) ‬للقرطبي،‭ ‬وهذا‭ ‬إن‭ ‬دلّ‭ ‬على‭ ‬شيء،‭ ‬فإنما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬مكونات‭ ‬الذرة‭ ‬لها‭ ‬وزن‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الإلكترونات‭ ‬والبروتونات‭ ‬والنيترونات‭ ‬لها‭ ‬وزن،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جاءت‭ ‬به‭ ‬العلوم‭ ‬النووية‭ ‬الحديثة،‭ ‬ليتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬فقط‭. ‬ ولأن‭ ‬القرآن‭ ‬كتاب‭ ‬إعجاز‭ ‬وإيجاز،‭ ‬وكتاب‭ ‬الجزالة‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬والتوضيح‭ ‬في‭ ‬المعنى،‭ ‬لذلك‭ ‬قال‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ (‬ولا‭ ‬أصغر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭) ‬ولم‭ ‬يقل‭ (‬ولا‭ ‬أصغر‭ ‬منها‭) ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يفيد‭ ‬البعد‭. ‬والذرة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬متناول‭ ‬الأيدي،‭ ‬ولا‭ ‬تُرى‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة،‭ ‬وكذلك‭ ‬مكوناتها،‭ ‬فتكون‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الذرة‭ ‬كون‭ ‬آخر‭ ‬تعيش‭ ‬بين‭ ‬ثناياها‭ ‬العناصر‭ ‬المكونة‭ ‬لها‭. ‬ ويرد‭ ‬مفهوم‭ ‬استخدامات‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬في‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬بشكل‭ ‬إعجازى‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬جل‭ ‬وعلا‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬السادسة‭ ‬من‭ ‬سورة‭ ‬التحريم‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬قُوا‭ ‬أَنفُسَكُمْ‭ ‬وَأَهْلِيكُمْ‭ ‬نَارًا‭ ‬وَقُودُهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬وَالْحِجَارَةُ‮»‬‭ (‬التحريم‭ ‬6‭). ‬وقد‭ ‬اتفقت‭ ‬معظم‭ ‬التفاسير‭ ‬على‭ ‬معنى‭ ‬واحد‭ ‬تقريبا‭ ‬لهذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة،‭ ‬وهو‭ ‬توجيه‭ ‬المؤمنين‭ ‬إلى‭ ‬طاعة‭ ‬الله‭ ‬واتقاء‭ ‬معاصيه،‭ ‬بتقوى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬وأمر‭ ‬أهليهم‭ ‬بذلك،‭ ‬وأن‭ ‬الأحجار‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬والتي‭ ‬اتخذت‭ ‬كوقود‭ ‬للنار‭ ‬المتقدة،‭ ‬هي‭ ‬أصنامهم‭ ‬التي‭ ‬عبدوها‭. ‬ ولكن‭ ‬الإشارة‭ ‬القرآنية‭ ‬إلى‭ ‬الحجارة‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬إطلاقه،‭ ‬فلم‭ ‬تحدد‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬صفة‭ ‬هذه‭ ‬الحجارة‭ ‬ولا‭ ‬أوصافها،‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لفظ‭ ‬الحجارة‭ ‬يعنى‭ ‬كل‭ ‬حجارة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض،‭ ‬وليست‭ ‬الأصنام‭ ‬وحدها،‭ ‬وأنها‭ ‬ستكون‭ ‬وقود‭ ‬النار‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬مع‭ ‬أجساد‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬العصاة‭. ‬ واستخدام‭ ‬الحجارة‭ ‬كوقود،‭ ‬أمر‭ ‬لم‭ ‬نعهده‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب،‭ ‬وطبقا‭ ‬لطبيعة‭ ‬الحجارة‭ ‬وتعريفها‭ ‬الكيميائي،‭ ‬يقول‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬الإعجاز‭ ‬العلمي‭ ‬بمكة‭ ‬المكرمة،‭ ‬هشام‭ ‬عبدالرحمن‭ ‬حسن‭ (‬إن‭ ‬استخراج‭ ‬الطاقة‭ ‬من‭ ‬الحجارة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة،‭ ‬وهي‭ ‬تحرير‭ ‬الطاقة‭ ‬المختزنة‭ ‬في‭ ‬أنوية‭ ‬ذراتها،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يحدث‭ ‬إلا‭ ‬بالتفاعل‭ ‬النووي‭ ‬الانشطاري‭. ‬والذي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬وجود‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬جدا‭. ‬وإذا‭ ‬وضعنا‭ ‬حديث‭ ‬المصطفى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ ‬بجوار‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة‭ ‬العلمية،‭ ‬والذي‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭: ‬‮«‬ناركم‭ ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬يوقدها‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬جهنم‮»‬،‭ ‬لاكتمل‭ ‬المعنى‭ ‬المراد‭ ‬للآية‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬أشارت‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬الحجارة‭ ‬كمصدر‭ ‬للوقود،‭ ‬وأن‭ ‬جهنم‭ ‬تتميز‭ ‬بدرجات‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬جدا،‭ ‬وهذه‭ ‬الحرارة‭ ‬تتيح‭ ‬كيميائيا‭ ‬حدوث‭ ‬التفاعل‭ ‬النووي‭. ‬وانبعاث‭ ‬الطاقة‭ ‬الذرية‭ ‬من‭ ‬الحجارة‭ ‬لتتقد‭ ‬نار‭ ‬جهنم‭. ‬فالآية‭ ‬الكريمة‭ ‬تظهر‭ ‬وجه‭ ‬إعجاز‭ ‬جديد‭ ‬لم‭ ‬يتوصل‭ ‬إليه‭ ‬المفسرون‭ ‬الأجلاء‭ ‬القدامى،‭ ‬لعدم‭ ‬توافر‭ ‬الأبحاث‭ ‬الكيميائية‭ ‬والفيزيائية‭ ‬الحديثة‭ ‬في‭ ‬زمنهم،‭ ‬والتي‭ ‬اكتشفت‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭. ‬فالآية‭ ‬الكريمة‭ ‬لم‭ ‬تذكر‭ ‬أشياء‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬مفهومنا‭ ‬الآن،‭ ‬فقد‭ ‬ذكرت‭ ‬صلاحية‭ ‬أجساد‭ ‬الناس‭ ‬والحجارة‭ ‬كوقود،‭ ‬وهذا‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬القوانين‭ ‬الكيميائية‭ ‬الحديثة،‭ ‬ولهذا‭ ‬بينت‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬بجلاء‭ ‬صورة‭ ‬إعجازية‭ ‬جديدة‭ ‬تعطي‭ ‬السبق‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬الوصف‭ ‬الدقيق‭ ‬للقوانين‭ ‬العلمية‭ ‬حول‭ ‬الطاقة‭ ‬والكتلة،‭ ‬والتي‭ ‬اكتشفت‭ ‬حديثا‭. ‬ وقد‭ ‬تميز‭ ‬اللفظ‭ ‬القرآني‭ ‬بالدقة‭ ‬الشديدة‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬هذه‭ ‬الصورة‭ ‬الرهيبة‭ ‬التي‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬أذهاننا‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬التأمل‭ ‬فيها‭ ‬بطريقة‭ ‬كافية‭ ‬ومتعمقة،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬الرعب‭ ‬الذي‭ ‬نشعر‭ ‬به‭ ‬عند‭ ‬قراءة‭ ‬هذه‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة،‭ ‬تجعل‭ ‬أجسامنا‭ ‬ترتجف‭ ‬خوفا‭ ‬وهلعا‭ ‬من‭ ‬مصير‭ ‬بعض‭ ‬العصاة‭ ‬والمفسدين‭ ‬والمنافقين،‭ ‬ونستعيذ‭ ‬بالله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬من‭ ‬شر‭ ‬هذه‭ ‬النار‭ ‬المتقدة،‭ ‬فلا‭ ‬ننتبه‭ ‬أحيانا‭ ‬لما‭ ‬في‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬من‭ ‬قوانين‭ ‬علمية‭ ‬حديثة‭ ‬بمفهوم‭ ‬العصر‭ ‬الحالي‭. ‬ ويمكن‭ ‬فهم‭ ‬مدلول‭ ‬الآية‭ ‬الكريمة‭ ‬جيدا‭ ‬إذا‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ (‬نار‭ ‬الدنيا‭) ‬التي‭ ‬أشار‭ ‬إليها‭ ‬حديث‭ ‬المصطفى‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭ (‬وَمَا‭ ‬يَنْطِقُ‭ ‬عَنِ‭ ‬الْهَوَى‭)‬،‭ ‬ليست‭ ‬هي‭ ‬النار‭ ‬التي‭ ‬تتبادر‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬نتاج‭ ‬حرق‭ ‬بعض‭ ‬الأخشاب‭ ‬وفروع‭ ‬الأشجار‭ ‬الجافة‭ ‬التي‭ ‬نوقدها‭ ‬لإعداد‭ ‬طعامنا،‭ ‬بل‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬نار‭ ‬الدنيا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬المصانع‭ ‬الآن‭ ‬من‭ ‬استخدام‭ ‬درجات‭ ‬حرارة‭ ‬عالية‭ ‬جدا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬آلاف‭ ‬الدرجات‭ ‬المئوية،‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬لصهر‭ ‬الحديد‭ ‬وإعادة‭ ‬تشكيله‭ ‬لصنيع‭ ‬الآلات‭ ‬الضخمة‭ ‬والرافعات‭ ‬العملاقة،‭ ‬والأسلحة‭ ‬والقطارات‭ ‬بمختلف‭ ‬أنواعها‭ ‬وأشكالها‭. ‬وما‭ ‬يستخدم‭ ‬في‭ ‬الأبحاث‭ ‬العلمية‭ ‬من‭ ‬حرارة‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬ملايين‭ ‬الدرجات‭ ‬المئوية،‭ ‬وهذه‭ ‬كلها‭ ‬تعد‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬سبعين‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬نار‭ ‬جهنم‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭..! ‬ والأساس‭ ‬النظري‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬تتبلور‭ ‬في‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬لأي‭ (‬كتلة‭) ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ (‬طاقة‭)‬،‭ ‬فالكتلة‭ ‬والطاقة‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة،‭ ‬طبقا‭ ‬لمعادلة‭ ‬الكتلة‭ ‬والطاقة‭ ‬لأينشتين‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬بها‭ ‬عام‭ ‬1905م‭. ‬وعليه،‭ ‬يمكن‭ ‬تحويل‭ ‬أي‭ ‬مادة‭ ‬إلى‭ ‬طاقة،‭ ‬وغالبية‭ ‬الأحجار‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأرض،‭ ‬هي‭ ‬أملاح‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬تركيبها‭ ‬الكيميائي‭ ‬وتوجد‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬مركبات‭ ‬أيونية،‭ ‬ومصدر‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬الحجارة‭ ‬مختزنا‭ ‬في‭ ‬أنوية‭ ‬الذرات،‭ ‬وهي‭ ‬الطاقة‭ ‬النووية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحرر‭ ‬إلا‭ ‬بالتفاعل‭ ‬النووي‭ ‬الإنشطاري،‭ ‬وهذه‭ ‬الطاقة‭ ‬هائلة‭ ‬جدا،‭ ‬ولا‭ ‬تنطلق‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬التسخين‭ ‬الشديد‭ ‬تحت‭ ‬درجات‭ ‬فائقة‭ ‬الحرارة‭. ‬ولهذا‭ ‬جاء‭ ‬التحذير‭ ‬الإلهى‭ ‬للعصاة‭ ‬والمفسدين‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬قوله‭ ‬تعالى‭: ‬‮«‬يا‭ ‬أَيُّهَا‭ ‬الَّذِينَ‭ ‬آمَنُوا‭ ‬قُوا‭ ‬أَنفُسَكُمْ‭ ‬وَأَهْلِيكُمْ‭ ‬نَارًا‭ ‬وَقُودُهَا‭ ‬النَّاسُ‭ ‬وَالْحِجَارَةُ‭ ‬عَلَيْهَا‭ ‬مَلَائِكَةٌ‭ ‬غِلَاظٌ‭ ‬شِدَادٌ‭ ‬لَّا‭ ‬يَعْصُونَ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬مَا‭ ‬أَمَرَهُمْ‭ ‬وَيَفْعَلُونَ‭ ‬مَا‭ ‬يُؤْمَرُونَ‮»‬،‭ ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭.‬

مشاركة :