قليل من التوافق كثير من التصادم في لقاء بون المناخي

  • 6/29/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

في وقت تجتاح أوروبا موجة حرّ لا مثيل لها وتتزايد المؤشرات المقلقة على احترار الكوكب، اختتمت جولة جديدة من المفاوضات المناخية الخميس في بون (شرق ألمانيا) بالقليل من التوافق والكثير من التصادم. وقالت رئيسة مؤتمر الأمم المتحدة المقبل للتغير المناخي وزيرة البيئة التشيلية، كارولينا شميت، إن موجة الحر الحالية في ألمانيا تجعل التغير المناخي أمرا محسوسا بشكل مباشر جدا، “فهو أمر لا يحدث خلال 100 سنة، بل شيء نعيشه الآن بالفعل”. وقد اجتمعت وفود من كلّ بلدان العالم في عاصمة ألمانيا الاتحادية سابقا للتحضير للمؤتمر السنوي للأمم المتحدة حول المناخ الذي يعقد هذه السنة في تشيلي في ديسمبر. وسبق الاجتماع احتجاج شبابي لمطالبة الحكومات بتكثيف العمل على وقف تغير المناخ بدءا بالتخلص التدريجي السريع من معامل الكهرباء العاملة بالفحم. وكان الهدف من هذا الاجتماع التقدّم في مسائل تقنية لتمهيد الطريق لقرارات سياسية، وصدر تقرير حقوقي للأمم المتحدة أثناء أيام الاجتماع، يقول إن العالم في طريقه إلى “فصل مناخي” يشتري فيه الأغنياء خلاصهم من تبعات تغير المناخ بينما يتحمل الفقراء عبئه الأكبر. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى قمة حول المناخ في سبتمبر في نيويورك تمهيدا للمؤتمر المناخي الدولي الخامس والعشرين. وطلب من الدول تقديم خطط ملموسة لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45 بالمئة في السنوات العشر المقبلة والقضاء عليها بالكامل بحلول 2050. لكن، على حدّ قول آلدن ميير الخبير في اتحاد “يونيون أوف كونسورتد ساينتستس”، “للأسف لم تكن الطموحات كبيرة في بون”. وتأمل منظمات غير حكومية في أن يكون هذا اللقاء فرصة للبلدان كي ترفع سقف طموحاتها والتزاماتها الوطنية قبل البدء بتطبيق الخطط في 2020.وأقيمت مفاوضات بون بعد ستة أشهر على المؤتمر المناخي الدولي الرابع والعشرين الذي نظّم في كاتوفيتسه في بولندا وسمح بوضع اللمسات النهائية على قواعد تطبيق اتفاق باريس من أجل المناخ المبرم سنة 2015. وفي أكتوبر الماضي، دقّت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة ناقوس الخطر، محذّرة في تقرير من تداعيات احترار بدرجتين مئويتين ستكون أثقل وطأة بكثير من تلك التي يسببها احترار بواقع 1.5 درجة مئوية. وفي حال لم تعزّز الدول التزاماتها في هذا الشأن، فإنّ الحرارة سترتفع 3 درجات. وفي بولندا، رفضت الولايات المتحدة والسعودية والكويت وروسيا فقرة في البيان النهائي ورد فيها أن المشاركين يتلقون “بإيجابية” خلاصات التقرير العلمي الذي ظلّ يثير الجدل في بون. وأفاد أحد المراقبين، بأن الوفد السعودي لم يقبل بمسودة نص تشيد بتقرير الهيئة الأممية ورفض ذكر أي أهداف محددة لتخفيض انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة. العلم ليس قابلا للتفاوض ارتدى بعض المندوبين في الجلسة الختامية قمصانا كتب عليها “العلم ليس قابلا للتفاوض”. وقال إيدي بيريز من شبكة “كلايمت أكشن نتوورك” التي تضمّ تحت رايتها منظمات غير حكومية عدّة معنية بهذا المجال خلال مؤتمر صحافي، “لماذا لا نزال نناقش هذه المسائل؟ فالبيانات العلمية موجودة منذ البداية وينبغي لنا أن نسترشد بها”. وانصبّ اهتمام المندوبين خلال هذه المفاوضات التي ارتدت طابعا تقنيا جدا، على قواعد آليات تبادل حصص انبعاثات الكربون المنصوص عليها في المادة السادسة من اتفاق باريس. وتتيح هذه المادة للبلدان بأن تبلغ أهدافها الخاصة بخفض الانبعاثات عبر آليات تبادل. ويقضي الأمر بتحديد تفاصيل هذه الآليات وتجنّب حساب التخفيضات مرتين. وبحسب أحد المراقبين، لا شكّ في أن هذه المادة ستكون محطّ مناقشات إضافية تكتسي طابعا رسميا إلى حدّ أكبر في غضون مؤتمر الأطراف الخامس والعشرين في تشيلي. وقالت لوسيل دوفور من شبكة “ريزو أكسيون كليما” “إذا أخفقنا في تحديد قواعد الآليات الواردة في اتفاق باريس، فإننا سنحدث فجوة كبيرة، ومصداقيتنا ستصبح على المحكّ”. وقال تقرير حقوقي للأمم المتحدة، صدر خلال أسبوع المفاوضات في بون، إن العالم في طريقه إلى “فصل مناخي” يشتري فيه الأغنياء خلاصهم من تبعات تغير المناخ مثل ارتفاع درجات الحرارة والجوع الناجمين عن الأزمة المناخية المتصاعدة بينما يتحمل الفقراء عبئه الأكبر. وقالت دراسة جديدة إن إستراتيجيات التخفيف من آثار تغير المناخ، يمكن أن تؤدي إلى زيادة خطر الجوع في البلدان النامية بدلا من خفضه، إذا لم تصمَّم على نحو جيد. وحذر التقرير الذي أعده فيليب ألستون مقرر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الخاص لشؤون الفقر المدقع، من أن “التغير المناخي يهدد التقدم المحرز في الخمسين سنة الأخيرة، على صعيد خفض الفقر”. وأشار ألستون في بيان له “في حين أن الفقراء مسؤولون عن جزء بسيط من الانبعاثات العالمية فهم يتحملون عبء التغير المناخي وهم الأقل قدرة على حماية أنفسهم”. وأضاف “قد نجد أنفسنا أمام سيناريو ‘فصل عنصري مناخي’ حيث يمكن للأثرياء أن يدفعوا المال للإفلات من آثار موجات الحر والجوع والنزاعات فيما بقية العالم تعاني”. وجاء في التقرير أنه من المفترض أن يلعب قطاع الأعمال دورا حيويا في التعامل مع التغير المناخي، غير أنه لا يمكن التعويل عليه في رعاية الفقراء. ويستند التقرير على أبحاث تتوقع أن يؤدي الاحترار المناخي إلى انزلاق أكثر من 120 مليون شخص إلى خطر الفقر خلال العقد المُقبل وتشريد 140 مليون شخص في الدول النامية بحلول العام 2050. واستشهد بالفئات الضعيفة من سكان نيويورك التي أصبحت بلا كهرباء أو رعاية صحية عندما اجتاح الإعصار ساندي المدينة في 2012، في حين “كان مقر (بنك الاستثمار) غولدمان ساكس محميا بعشرات الآلاف من أجولة الأسمنت ومولد الكهرباء الخاص به”، والأغنياء في أحياء مانهاتن الراقية آمنين بتوليد الكهرباء بواسطة مولدات خاصة. وقال التقرير إن الاعتماد الحصري على القطاع الخاص للوقاية من الطقس الشديد وارتفاع مستوى البحار “سيؤدي بالتأكيد إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان وتلبية احتياجات الأثرياء وإهمال الفقراء”. وأضاف “حتى في ظل أفضل السيناريوهات، سيواجه مئات الملايين انعدام الأمن الغذائي والهجرة القسرية والأمراض والوفاة”. وانتقد التقرير الحكومات لأنها لا تبذل جهدا يذكر بخلاف إيفاد المسؤولين إلى المؤتمرات لإلقاء “الخطب المتشائمة”، رغم أن العلماء وناشطي المناخ يدقون أجراس الإنذار منذ السبعينات.كما انتقد الخبير ألستون خصوصا مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لأنها لا تولي الاهتمام الكافي ولا تخصص الموارد الكافية لهذه المسألة. والمقررون الخاصون خبراء مستقلون لا يتحدثون باسم الأمم المتحدة، لكنهم يعرضون نتائج أبحاثهم على المنظمة الأممية. وقال ألستون في التقرير “يبدو أن المؤتمرات على مدار ثلاثين عاما لم تحقق شيئا يذكر. فمن تورونتو إلى نوردفيك ومن ريو إلى كيوتو إلى باريس تشابهت العبارات المستخدمة بدرجة مذهلة بينما تواصل الدول تأجيل الحسم”. وأضاف “سارت الدول خلف كل تحذير وتحول علمي، وما كان يعتبر في وقت من الأوقات ارتفاعا كارثيا في درجات الحرارة أصبح يبدو الآن وكأنه أفضل السيناريوهات”. ومنذ 1980 بلغ عدد الكوارث المناخية التي منيت بها الولايات المتحدة وحدها والتي تبلغ خسائرها مليار دولار أو أكثر، 241 كارثة بخسائر إجمالية 1.6 تريليون دولار. لا أحد يبالي تمحورت المناقشات حول “الخسائر والأضرار” التي تلحق بالمناطق التي تضربها كوارث على صلة بالتغير المناخي لمعرفة من المسؤول عن التعويض. وقالت سادي دي كوست التي تمثّل منظمات شبابية “هل تعلمون من يبالي للأمر؟ شباب من أمثالي”، مذكّرة بأن الطلاب ينزلون إلى الشوارع منذ أشهر للمطالبة بالمزيد من التدابير لمكافحة التغير المناخي. وقال فيليبي فونتيتشيلا الطالب التشيلي الذي يمثّل المجتمع المدني أمام الوفود “تحدث انتفاضات في أنحاء العالم أجمع لأن هذه الآلية تجعل من مسائل غير مقبولة بتاتا بالنسبة لنا مقبولة”. ونصب أنصار البيئة في ألمانيا قبل يوم من بدء مفاوضات المناخ أكثر من 20 خيمة في المنطقة المقابلة للبرلمان (البوندستاغ) وبجانب مبنى الحكومة للفت الانتباه إلى مخاطر تغير المناخ. الناشطون البيئيون يتساءلون: لماذا لا نزال نناقش هذه المسائل؟ فالبيانات العلمية موجودة منذ البداية وينبغي لنا أن نسترشد بها ويؤكدون على أن الشباب وحدهم المعنيين بالمخاطر المناخية وارتدى الناشطون اللون الأحمر تعبيرا عن حملة “أوقفوا الفحم” وغنوا وقرعوا الطبول أثناء مسيرتهم في وسط العاصمة السابقة لألمانيا الغربية متجهين إلى مركز الأمم المتحدة الذي سيستضيف المحادثات التي تستغرق 12 يوما وتشارك فيها 196 دولة لتطبيق اتفاقية باريس. وأعلن ائتلاف أكثر من 100 جمعية أهلية في بيان قبل المسيرة أن “حياة الملايين وأرزاقهم مهددة، فيما تواجه دول جزرية بكاملها خطر الاضمحلال بسبب ارتفاع مستويات البحار”. وقال المتحدث باسم المدافعين عن البيئة، فلورين بيتز، “نحن بحاجة إلى التحرك بشكل عاجل، لأن المجتمع والكوكب في حالة طوارئ”. وأضاف “يمكن للجميع أن يفعلوا شيئا ضد تغير المناخ، لذا ندعو كل الناس والمؤسسات إلى التصرف مثلنا”. وقالت زابينه من كولونيا المجاورة التي وفدت للتظاهر مع ابنتيها البالغتين (16 عاما و8 أعوام) “هذا كل ما يمكننا أن نفعله”. وأضافت “لا أدري إن كان سيغير شيئا، لكن يجب أن نحاول”. وقالت الشابة دورته (19 عاما) التي اختارت كغيرها من المشاركين “اسما حركيا” لهذه المناسبة، “لطالما كان سلوكي مثاليّا ولم أنتهك يوما القانون، لكني أصبحت على يقين من أن الوضع لن يتغير إذا ما تحركنا اليوم”. ومن المرتقب أن تقدّم الهيئة الأممية تقريرين حول المحيطات والغلاف الجليدي واستخدام الأراضي والتصحّر قبل نهاية السنة.

مشاركة :