روايات عربية لا تستحق الترجمة

  • 6/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمدو لحبيب بدأت الرواية العربية في العشرية الثانية التي توشك أن تنصرم من القرن الحادي والعشرين الجاري تأخذ مكانتها في أروقة الترجمات إلى لغات أجنبية عديدة، وازدادت تلك الترجمات بشكل لافت للنظر، بحيث بات التساؤل عن قيمتها السردية منطقياً، وهل تستحق كل رواية ترجمت إلى لغات أجنبية تلك الترجمة؟. في أحد مقالاته عن ترجمة الروايات العربية إلى لغات أجنبية، يرى الناقد الدكتور جابر عصفور أن ثمة أعمالاً روائية ترجمت ليس لإنها تستحق ذلك، بل لأن ثمة واسطة أوعلاقة ربطت بين الكاتب وبين المترجم، كما أن بعض الكتاب يتوق لرؤية عمله مترجماً، حتى ولو لم يكن يستحق، معتقداً أن ذلك سيضيف إليه بُعداً مفاهيمياً أعمق، أو صنعة احترافية أجود. والحقيقة التي يمكن ملاحظتها في ترجمات الرواية إلى اللغات الأجنبية، أنها تتم وفق عدة طرق، بينها وهي الأكثر شهرة أن تلجأ بعض دور النشر الغربية من دون طلب من الكاتب إلى ترجمة أعماله، وهذا ما حدث مع كتاب وروائيين عرب مبدعين، من أمثال الراحلين نجيب محفوظ والطيب صالح وغيرهما، وهو ما جعل كتابات محفوظ مثلاً تحظى بذلك الانتشار والتقدير لدى دوائر الأدب والنقد الغربية، بحيث أهّلته تلقائياً للفوز بجائزة نوبل للآداب بجدارة واستحقاق. ولعل الألق الذي حصل عليه أولئك الكتاب في الغرب بعد ترجمة أعمالهم، هو ما دفع بآخرين إلى الطرق الأخرى للحصول على ترجمات رواياتهم، والتي من بينها ما أشرنا إليه آنفاً. وإذا كانت الرواية بشكل عام بحسب ميلان كونديرا هي فن إنتاج الأسئلة، حيث يقول «إذا كان غباء الناس يأتي من الأجوبة التي يملكونها عن كل شيء، فإن حكمة الرواية تأتي من الأسئلة التي يملكونها عن كل شيء، والروائي يُعلِّم القارئ أن يدرك العالَمَ كسؤال»، فإن البعض يذهب انطلاقاً من ذلك المعيار النقدي، إلى أنه ثمة روايات عربية عديدة ترجمت إلى لغات أجنبية لم تكن في المستوى المطلوب من الناحية الفنية والسردية، ومن ناحية علاقتها بالبعد المفاهيمي للرواية كفن لاستكناه أسئلة الحياة البارزة في مجتمع ما، وتقديمها للقارئ. وعلى الرغم من أن بعض تلك الروايات نال شهرة كبيرة حين كُتِبت أصلاً باللغة العربية، إلا أنها تبقى بحسب الكثر من القراء والمراجعين لها، غير جديرة بأن تقدم للعالم كأدب عربي مترجم، ذلك أنها لم تشتهر إلا لأنها اختارت بعض المواضيع المثيرة أو التي تكرس ثقافة التسطيح الشائعة لدى العديدين. إن روايات نجيب محفوظ مثلاً، لم تصل إلى تلك الترجمات لأنها استسهلت تقديم مواضيع مثيرة للقارئ على المستوى الغرائزي، بل لأنها قدمت نفسها كرؤية عميقة لمجتمع الكاتب، والأسئلة الكبرى التي تشغله، وكيف يعالج شخوص تلك الروايات تلك الأسئلة. ومن الأمثلة التي يقدمها القراء والنقاد عبر مواقع مراجعات الروايات العربية المترجمة إلى لغات أخرى، وهي في الأصل بحسب وجهة نظرهم لا ترقى إلى أن تقدم نفسها لتلك المكانة، نأخذ مثالين، وهما روايتا «الفيل الأزرق» لأحمد مراد، ورواية «الأسود يليق بك» لأحلام مستغانمي. لا ينكر أحد أن رواية الفيل الأزرق استطاعت أن تحقق إقبالاً جماهيرياً كبيراً عليها، لكن ذلك تزامن مع تحويلها إلى فيلم وعرضها في معظم دور العرض السينمائية. وقد يؤشر ذلك في نظر العديد من قراء الرواية ونقادها، إلى أنها تصلح كسيناريو أكثر مما تحمل من بصمات العمل الروائي التقليدي وفنياته المعروفة، لقد انعكست مهنة أحمد مراد كسيناريست كما يقول البعض على روايته تلك، فلم تأخذ من صفتها سوى القليل، وركزت على غرائبية معينة لكنها لم تدخل عوالمها كي تخرج لنا كقراء مثلاً بما خرج به ماركيز من غرائبيته فلم تقدم «الفيل الأزرق» كما يرى البعض تلك الأسئلة الإنسانية المشتركة والتي تنبع من المجتمع العربي. لقد تم الإعلان في 2018 عن ترجمة تلك الرواية إلى الألمانية، لكن ثمة من يعتبر أنها لا تقدم رؤية عميقة لأسئلة الإنسان العربي الذي يجعلها جديرة بالترجمة والنقل إلى الآخر كصورة للأدب العربي الحديث. الرواية الأخرى «الأسود يليق بك»، تقدم كثيراً من التشبيهات والجمل والمفردات المصنوعة بحذلقة لغوية لكنها تفتقد إلى الحبكة الدرامية المنطقية لقصتها التي تحكي عن مليونير لبناني، ناهز عمره الخمسين سنة، أعجبته مطربة جزائرية في السابعة والعشرين من عمرها، فقرر أن يتقرب لها، ويبدأ طلال الذي جاهد ليثري محصوله الثقافي في الموسيقى والفن والشعر، إلى وضع الخطة تلو الخطة، للإيقاع بهذه الحسناء التي ترتدي الأسود حداداً على مقتل والدها وأخيها خلال الاضطرابات التي شهدتها الجزائر. وبرغم تلك القصة التي كان يمكن أن تعد بالكثير من الغوص في تفاصيل وتناقضات المجتمعين اللبناني والجزائري، وعلاقة العربي بالعربي، والأسئلة العديدة التي تطرحها تلك العلاقة منذ أيام المد القومي وحتى الآن، إلا أنها لم تبارح بحسب البعض نقطة التجويد والصناعة اللغوية، وقدمت شكلاً رومانسيا لكنها لم ترق إلى مستوى يؤهلها لأن تقدم نفسها للآخر.ويرى الدكتور عصفور في مقاله السابق الإشارة إليه أن اندفاع بعض الكتاب لترويج رواياتهم عبر الترجمات ينطوي على خطأ جسيم يضرهم هم قبل أي أحد، وهو يعتقد أن هذا النوع من الترجمة لا يجد من يُقبل عليه ويظل توزيعه محدوداً جداً، وضرره أكثر من نفعه، لأنه لا يقدم صورة زائفة ويسيء إلى تمثيلات الأدب العربي نفسها». ويمكن القول إجمالاً إنه على قدر ما تمثل الترجمات فرصة حقيقية لنشر الأدب العربي وتعريف الآخر به، فإنها قد تشكل أيضاً مقتلاً لكثير من الروائيين ممن يستسهلون الترجمة دون أن تكون أعمالهم المقدمة لذلك جديرة من الناحية الفنية والنقدية.

مشاركة :