مبادرة جديدة لحل الأزمة في الجزائر باقتراح من السلطة يرى فيها خبراء فرصة لتحريك المياه الراكدة، بينما تتمسك بعض أصوات المعارضة بمطلب رحيل رموز النظام قبل أي حل. فإلى أين تتجه الجزائر؟ مبادرة جديدة أُطلقت في الجزائر لإنهاء أزمة سياسية دخلتها البلاد منذ شهور. فقد دعا الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح إلى إطلاق حوار وطني بقيادة "شخصيات وطنية مستقلة ذات مصداقية" بهدف التوافق حول الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أن الدولة بجميع مكوناتها بما في ذلك الجيش "لن تكون طرفا في هذا الحوار وستلتزم الحياد". فهل تنجح هذه المبادرة بعد أن فشلت فيه مبادرات أخرى؟ وهل تُقنع الشارع الذي يتمسك بمطلب رئيسي هو رحيل جميع رموز النظام قبل الدخول في أي انتخابات؟ وماذا لو فشلت هذه المبادرة والجزائر على بعد أيام من انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس المؤقت؟ الحوار قبل الانتخابات بن صالح الذي يطالب الشارع برحيله أيضا، وصف مبادرته هذه بأنها تمثل "مقاربة عقلانية وسليمة". وسبق للحركة الاحتجاجية أن عبرت في الشارع عن رفضها العرض الأول للحوار الذي قدّمه بن صالح في 6 يونيو/حزيران من أجل الوصول إلى توافق على تنظيم انتخابات رئاسية. وعن الجديد في هذه المبادرة يقول عمر لشموت، وهو ناشط في الحراك الجزائري، في حديث لـDW عربية إن مبادرة بن صالح السابقة كانت تقوم على أساس مشاورات مباشرة بين رئاسة الجمهورية والمجتمع المدني وهو "أمر مرفوض بالنسبة للشارع لأنه لا يثق في أي رمز من رموز السلطة، أما إيجاد آلية للوساطة بين السلطة والشارع عن طريق شخصيات وطنية مستقلة فسيبقى أمرا يمكن أن يقبله الشارع". ويرى مراقبون أن أسماء هذه الشخصيات الوطنية، التي لم تعرف بعد، ستكون بيت القصيد في هذه المبادرة برمتها. فإذا كانت شخصيات تحظى باحترام الشارع ولا علاقة لها بالسلطة والإدارة، كما يقول لشموت، سيتم القبول بالمبادرة وقد تشكل فعلا بداية للحل، أما إذا لم تكن كذلك فسيواصل الشارع التظاهر والضغط. المبادرة تأتي من عبد القادر بن صالح الرئيس المؤقت الذي يطالب المتظاهرون برحيله أيضا ويقول محمد بشوش، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر في مقابلة معDW عربية إن ما يُحسب لهذه المبادرة، مقارنة مع ما سبقها، هو "تقديمها الحوار على الانتخابات الرئاسية وبالتالي سيُحدد موعد الانتخابات والآليات والميكانيزمات لتنظيمها بعد جلسات الحوار التي تشرف عليها شخصيات وطنية، وهذا ما يضمن شيئا من الشفافية والقبول". بينما كانت المبادرة السابقة تدفع في اتجاه تنظيم انتخابات تشرف عليها السلطة الحالية بشيء من التغييرات البسيطة. جمعة مصيرية وقد دأب الجزائريون على الخروج بكثافة إلى الشارع منذ 22 فبراير/ شباط الماضي في حراك بدأ بمطلب رفض ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية جديدة وتواصل حتى بعد تنحيه عن السلطة ليصبح المطلب رحيل كل رموز النظام. ويُنتظر أن تكون مظاهرات يوم غد الجمعة مصيرية فهي آخر جمعة قبل انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، كما أنها تُصادف الذكرى 57 لحصول الجزائر على استقلالها، وهي المناسبة التي دعت شخصيات جزائرية عديدة إلى الخروج فيها وتنظيم مظاهرات ضخمة. فضلا عن أنها تأتي مباشرة قبل انعقاد أكبر اجتماع لأحزاب المعارضة وقوى التغيير المجتمعية أو ما أطلق عليه "منتدى الحوار الوطني"، الذي كُلف الوزير السابق عبد العزيز رحابي بتنسيقه. ويرى الناشط لشموت أن هذه الندوة الوطنية يمكن أن تساهم في تحديد أسماء الشخصيات المستقلة التي يفترض أن ترعى الحوار، "خاصة مع وجود إجماع من مختلف الأطراف على ضرورة التوجه إلى الحوار الآن". لكن ماذا عن الجيش في كل ما يجري؟ يقول بشوش إن الجيش برجوعه للخلف يرد من جهة على من دعاه إلى التدخل وتبني الحوار، ويريد من جهة أخرى، درء تهمة الانقلاب، حيث أن الجيش عادة ما يرعى الفترة الانتقالية في حالة كان مسؤولا عن قلب الحكم أما في حالة المؤسسة العسكرية الجزائرية فهي تعترف أن الشعب هو من أطاح بالرئيس وتحاول الالتزام بذلك. أي دور ستلعبه المؤسسة العسكرية القوية في الجزائر في المرحلة المقبلة؟ "الكرة في ملعب الشارع" ويرى بشوش أن السلطة باقتراحها مبادرة بهذا الشكل ترمي الكرة في ملعب السياسيين والنشطاء. ويضيف المحلل السياسي الجزائري لـ DW عربية قائلا: "في تقديري ومن مبدأ إعمال العقل وتفادي الزج بالأزمة في متاهات، أعتقد أن الجلوس إلى طاولة الحوار هو الحل الأمثل إذا تم بالشروط التي ذُكرت"، أي ضمان أنه لن يكون إقصائيا وليس تحت إدارة السلطة وأن الجيش سيكون بعيدا. وإذا تم الإخلال بهذه الشروط فيمكن دائما الانسحاب والضغط أكثر؛ أما معارضة الحوار في حد ذاته فسيجعلنا أمام معارضين يعارضون من أجل المعارضة فقط، حسب كلام المحلل السياسي. لكن حيدر بن دريم، القيادي في حزب طلائع الحريات الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق علي بن فليس، يرى أن مقترح بن صالح "الذي لا يرقى لأن يكون مبادرة" جاء متأخرا وبعد تجاهل لمبادرات المعارضة مع إصرار الدولة على تنفيذ أجندتها، حسب تعبيره. ويضيف بن دريم في تصريحات لـDW عربية أن الشروط التي رفعتها المعارضة والشارع واضحة ومع ذلك مازالت السلطة تُماطل في تحقيقها وهي "استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تشرف على تنظيم الانتخابات. وما لم تتحقق هذه الشروط فسيتم رفض أي مبادرة من السلطة لأن الشعب لا يثق فيها". وبخصوص ما قد يسببه ذلك من فراغ دستوري وسياسي في البلاد يقول بن دريم إن "الجزائر أصلا تعيش في فراغ دستوري منذ 2013 إذ كان الرئيس غائبا في الواقع". من جهته يقلل الخبير بشوش من شأن مسألة المأزق الدستوري الذي توشك البلاد على الدخول فيه مع قرب انتهاء ولاية بن صالح دون التوصل لحل للأزمة، ويقول إن المجلس الدستوري منح بن صالح فتوى لتمديد فترته "وفي الغالب نحن نتجه نحو ذلك. بالتالي لن يتغير الكثير". سهام أشطو
مشاركة :