هل تنجح الأميركتان فيما فشلت فيه أوروبا؟

  • 10/31/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي ركزت فيه الولايات المتحدة اهتمامها بشأن الهجرة، في الغالب، على تلك الأعداد الكبيرة القادمة من أميركا الوسطى إلى الحدود الجنوبية الغربية على مدى السنوات القليلة الماضية، فإن أكبر تدفقات الهجرة في ذلك النصف من الكرة الأرضية يتجه في الواقع إلى الجنوب. وبحسب مؤشرات وصول آلاف الهايتيين إلى ديل ريو بولاية تكساس الشهر الماضي، فربما تبدأ الولايات المتحدة في استقبال مزيد من المهاجرين من دول خارج دول المثلث الشمالي في أميركا الوسطى. يعيش أكثر من مليون هايتي في بلدان أخرى بالأميركتين، وقد انتقل أكثر من 300 ألف منهم إلى البرازيل وتشيلي بعد الزلزال الذي دمر هايتي في عام 2010، وقد اجتذبتهم إلى حد كبير فرص العمل والوضع القانوني الذي توفره تلك البلدان. انتقل نحو 5 ملايين فنزويلي إلى أماكن أخرى في الأميركتين منذ عام 2015 مع انهيار اقتصاد بلادهم وتفاقم الصراع السياسي، حيث يوجد الآن أكثر من 1.7 مليون في كولومبيا، ومليون في بيرو، ونحو نصف مليون في كل من الإكوادور وتشيلي. واستقر أكثر من 500 ألف مواطن من نيكاراغوا في كوستاريكا المجاورة، ووصل كثيرون منهم بعد جولات من القمع بدأت في عام 2018، وهاجر الكوبيون لسنوات، حيث رسخوا جذورهم أينما أتيح لهم ذلك. ونظراً لأن وباء «كوفيد19» أصاب اقتصادات أميركا الجنوبية أكثر من غيرها؛ فإن عشرات الآلاف من المهاجرين الذين استقروا شرعوا في التنقل مرة أخرى، ويتجه كثير منهم شمالاً. وبالنسبة للمهاجرين الهايتيين، فقد دفع العداء المتزايد للمهاجرين في البرازيل وتشيلي البعض أيضاً إلى التفكير في التوجه إلى الولايات المتحدة. ومع ازدياد الهجرة في جميع أنحاء الأميركتين، لم تعد سياسة الحدود وسيلة كافية للسيطرة على الهجرة. ويتعين على الولايات المتحدة تجنيد البلدان الأخرى في نصف الكرة الأرضية لتتشارك في تدابير لمنع تكرار الأزمات السياسية والإنسانية التي تجبر الناس على الفرار من أوطانهم. سيكون الإغراء هو القيام بترتيبات إقليمية جديدة لجعل عبور الحدود أكثر صعوبة من خلال تعزيز جهات إنفاذ القانون وإجراءات الترحيل. ومع ذلك؛ ونظراً لأن الهايتيين وغيرهم من المهاجرين يخاطرون بحياتهم بالفعل لعبور غابة «دارين غاب» الواقعة على الحدود بين كولومبيا وبنما والسير خلالها، فمن المرجح أن يكون الردع عديم الجدوى. من الصعب الحفاظ على إجراءات التعاون في ردع المهاجرين بين البلدان ذات القدرات المتفاوتة على الترحيب بالمهاجرين والتغلب على مخاوف الهجرة. جربت أوروبا مثل هذا الترتيب مع «بيان دبلن» في عام 2013، الذي طالب المهاجرين بالتقدم بطلب للحصول على اللجوء في أول بلد يصلون إليه. لكن هذا الاتفاق انهار بعد عامين عندما طغت أزمة اللاجئين السوريين على بلدان الدخول الأول. ومن الصعب تخيل كيف يمكن للأميركتين؛ اللتين ليس لهما تاريخ من التعاون في مجال الهجرة أو غيرها من القضايا، أن تحققا ما لم تستطع أوروبا تحقيقه. غير أن هذا لا يعني أن دول المنطقة يجب ألا تطمح إلى الوصول لفهم مشترك لما يعنيه التعاون بشأن الهجرة. ومع ذلك؛ فمن شبه المؤكد أن هذه المبادئ يجب أن تكون مبادئ عامة وليست اتفاقيات محددة، والتي يجب أن يتم التفاوض بشأنها حول قضايا أكثر تحديداً مع البلدان التي تشترك في الاهتمامات والنهج نفسيهما. على سبيل المثال؛ تميل المسارات القانونية إلى تخفيف الضغط عن الهجرة غير النظامية من خلال منح الأشخاص بدائل يمكنهم أن يطمحوا إليها، وهي نقطة انطلاق أساسية. وتحاول الولايات المتحدة والمكسيك وكندا بشكل مشترك توسيع تأشيرات العمل قصيرة الأجل لأميركا الوسطى لمنحهم خياراً آخر إلى جانب الهجرة غير النظامية. كما قام «برنامج الإفراج المشروط» الكوبي بذلك من خلال السماح لعدد معين من الكوبيين بالسفر بشكل قانوني إلى الولايات المتحدة كل عام. ربما تفكر الحكومة الأميركية أيضاً في فتح «برنامج الإفراج المشروط الخاص» - وهو دخول قانوني صريح - لعدد محدود من الهايتيين الذين يرغبون في الانتقال إلى الولايات المتحدة، وإعادة فتح البرنامج للكوبيين، الذي جرى تعليقه عملياً لمدة 4 سنوات. من شأن مثل هذا البرنامج أيضاً أن يسهل على الحكومة الأميركية التفاوض حول عودة المهاجرين الهايتيين الذين يصلون عبر الحدود إلى هذه البلدان، حيث عاش كثير منهم لسنوات، بدلاً من هايتي. ثمة مبدأ مفيد آخر؛ هو فكرة إعادة الأشخاص إلى البلدان التي استقروا فيها لسنوات عديدة بدلاً من العودة إلى بلدانهم الأصلية التي تمر بأزمات عميقة. مبدأ آخر؛ قد يكون تقاسم العبء، حيث تحاول الولايات المتحدة وكندا بالفعل توسيع جهودهما لإعادة توطين سكان أميركا الوسطى المعرضين للخطر. وفي الوقت نفسه، يمكن لصناع السياسة في الولايات المتحدة أيضاً أن يفعلوا المزيد لمساعدة دول المنطقة في استعادة عافيتها الاقتصادية؛ بدءاً من التبرع بمزيد من لقاحات «كوفيد19»، ويمكن للمجتمع الدولي توفير موارد إضافية للبلدان المضيفة التي تضم أعداداً كبيرة من المهاجرين واللاجئين ليتمكنوا من تقنين أوضاعهم والتمتع بمزايا التعليم والرعاية الصحية، والتي تظل جميعها قضايا رئيسية في دمج الوافدين الجدد. * خدمة «نيويورك تايمز»

مشاركة :