لا تزال توقعات السيناريو الأساس لمنطقة اليورو تشير إلى تراجع النمو وارتفاع التضخم في الأجل المتوسط. ويعكس ذلك تأثير ارتفاع البطالة وزيادة أعباء الديون وضعف الميزانيات العمومية، التي تؤدي إلى تراجع الطلب، وكذلك تأثير أوجه الضعف الهيكلي التي تعانيها المنطقة منذ فترة طويلة - مثل جمود سوق العمل والحماية المفرطة لسوق المنتجات - التي تؤدي إلى تقلص مستوى النمو المحتمل. علاوة على ذلك، يوجد ترابط وتداخل بين هذه العوامل: فتراجع مستوى النمو المحتمل يصعب معه خفض مستوى الدين، وارتفاع البطالة وانخفاض الاستثمارات يؤثران سلبا في مراكمة رأس المال، ويؤديان إلى تراجع مستوى النمو المحتمل. من شأن التراجع في آفاق الأجل المتوسط أن يجعل منطقة اليورو عرضة للتأثر بالصدمات السلبية - كحدوث تباطؤ عالمي جديد - التي قد تدفع بالاقتصادات إلى الكساد، نظرا إلى أنها مكبلة بعدم قدرتها على الاستجابة لتلك الصدمات من خلال السياسات الاقتصادية الكلية - كخفض الضرائب و/أو زيادة الإنفاق. كذلك قد يؤدي عدم معالجة المشكلات الناجمة من الأزمة إلى تفاقم أثر هذه الصدمات. فعلى سبيل المثال، قد تقوم الأسواق بإعادة تقييم قدرة الدول مرتفعة الدين على الاستمرار في تحمل أعباء الديون، ومن ثم زيادة تكلفة الإقراض، ما قد يزيد خطر حدوث دوامتي الدين والانكماش. تم استخدام نموذج اقتصادي في محاكاة تأثير الصدمات في منطقة اليورو، وتوصل النموذج إلى عدة افتراضات: عند بلوغ أسعار الفائدة مستوى الصفر، لن يكون بمقدور السياسة النقدية أن تفعل الكثير لتنشيط الاقتصاد، كما أن ارتفاع مستوى الدين يحول دون إمكانية استخدام سياسة المالية العامة إلا في حدود تطبيق أدوات الضبط التلقائي، مثل إعانات البطالة. ووفق هذا السيناريو، توجد عدة تطورات قد تؤدي إلى تراجع مفاجئ في ثقة المستثمرين - مثل زيادة الاضطرابات الجغرافية السياسية، أو وقوع أزمة سياسية داخل الاتحاد الأوروبي، أو خفض توقعات النمو. وقد يعقب ذلك تراجع أسعار الأسهم، إلى جانب انخفاض معدل نمو الاستثمار بنسبة 25 في المائة عن توقعات السيناريو الأساس "من نحو 2 في المائة إلى 1.5 في المائة سنويا". وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي بدرجات متفاوتة عبر منطقة اليورو حسب مستوى الدين في كل اقتصاد. وستزداد أيضا مخاوف الأسواق بشأن قدرة الدول على الاستمرار في تحمل أعباء الديون، ولا سيما بالنسبة إلى الدول المدينة بالفعل. وسيتم رفع أسعار الفائدة على الديون السيادية وديون الشركات بمقدار نقطة مئوية كاملة في اليونان وإيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا - على غرار الزيادة في العائد على السندات السيادية الإسبانية لمدة عشر سنوات خلال أواخر شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو) عام 2012. وتدل هذه النتائج على أن منطقة اليورو قد تشهد تراجعا في النمو. فقد ينخفض مستوى الناتج في منطقة اليورو بنحو 2 في المائة عن توقعات السيناريو الأساس بحلول عام 2020. وبالتالي، ستحتاج منطقة اليورو إلى ثلاث أو أربع سنوات إضافية "أي إضافة على عدد السنوات المتوقع في السيناريو الأساس" للوصول بالناتج الاقتصادي إلى المستوى الممكن. وستزداد تكلفة الاقتراض، ولا سيما في اليونان وإيرلندا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا. وستزداد أيضا معدلات البطالة ونسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي. وستتراجع معدلات التضخم، ما سيدفع منطقة اليورو إلى جانب الانكماش في الأجل القريب. إن ضعف الآفاق في الأجل المتوسط والقدرة المحدودة على استخدام السياسة الاقتصادية في تنشيط الاقتصادات، يجعلان منطقة اليورو عرضة للصدمات التي قد تؤدي إلى فترة مطولة من تراجع معدلات النمو والتضخم. ويستلزم تأمين المنطقة ضد هذه المخاطر تنفيذ مجموعة كبيرة ومتوازنة من السياسات. ويجب أن تختلف هذه السياسات في طبيعتها عن مجرد تيسير السياسة النقدية، الذي كان دائما الأداة الرئيسة المستخدمة في تنشيط اقتصادات منطقة اليورو. ويجب على البنوك، التي تمثل عماد النظام المالي الأوروبي، أن تخضع لرقابة أكثر تشددا، كما يجب عليها التقدم بخطى أسرع نحو تنقية دفاترها من القروض المعدومة، كي تستطيع تقديم مزيد من القروض. ويتعين على صناع السياسات تيسير إعادة هيكلة الشركات التي تعاني مشكلات، لكنها لا تزال قادرة على الاستمرار بما يمكنها من خفض ديونها والبدء في الاستثمار مجددا. ويجب كذلك على السلطات إجراء إصلاحات هيكلية بغرض زيادة الإنتاجية ومستوى النمو المحتمل، وزيادة الإنفاق متى أتيحت لها القدرة على ذلك، بغرض تشجيع الطلب الذي سيؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي.
مشاركة :