كانت تدابير التنشيط التي اعتمدتها الصين في أعقاب الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و 2009 تركز إلى حد كبير على تشجيع الاستثمار وهو ما وصل بمعدل الاستثمار إلى 50 في المائة من إجمالي الناتج المحلي. وأدى ذلك إلى الحفاظ على النمو لفترة، ولكنه أسفر عن طاقة زائدة في كل قطاعات الاقتصاد. وتتوافر الآن أعداد كبيرة من الوحدات السكنية الشاغرة، كما أن معدل الاستفادة من الطاقة الإنتاجية منخفض في قطاع الصناعية الثقيلة، وهناك قدر كبير من البنية التحتية غير المستخدمة بالكامل، مثل الطرق السريعة في المدن الصغيرة ومراكز المؤتمرات في المدن التي لا يوجد فيها طلب على هذه المراكز. وبسبب الطاقة الزائدة، فمن الطبيعي أن تتباطأ وتيرة الاستثمار ويتأثر النمو الاقتصادي الكلي. وقد كان لتباطؤ النشاط في الصين أثر مباشر في إفريقيا لأنه أسهم في تراجع أسعار المنتجات الأولية وتقليص أحجام الصادرات في الاقتصادات الإفريقية. ولكن أخبار ضعف الاقتصاد الصيني الصناعي القديم أثناء النصف الأول من عام 2015 وازنتها بعض الأخبار الإيجابية على مستوى الاقتصاد الجديد. فعلى عكس الصناعة، حققت قطاعات الخدمات نموا سريعا. ويستهلك قطاع الأسر معظم مخرجات الخدمات، ويلاحظ أن دخل الأسر شهد ارتفاعا مطردا على مدار العقود الثلاثة الماضية. ومع ذلك، لا بد أن يؤدي تباطؤ الاستثمار إلى بعض التداعيات على توظيف العمالة والدخل والاستهلاك. ورغم أن تباطؤ الاقتصاد الصيني أضر بالصادرات الإفريقية وأسعار التصدير، فمن المحتمل أن يحمل في طياته بعض الأنباء الإيجابية. فتباطؤ الاستثمار المحلي في الصين يعني أن الصين لديها حاليا رأسمال أكبر يمكن أن تستثمره في الخارج. ورغم أنه من المتوقع لمعدل الاستهلاك أن يرتفع بالتدريج في الصين، فمن المرجح أن تتوافر لديها مدخرات تتجاوز الاستثمار في المستقبل المنظور، ما يعني أنها ستواصل تقديم رأس المال لبقية العالم، ويمكن أن يحدث هذا بصورة منظمة إلى حد كبير. وقد وضعت السلطات مجموعة من الإصلاحات الطموحة التي يتوقع أن تيسر التحول من النمو الذي يقوده الاستثمار إلى نموذج أكثر اعتمادا على نمو الإنتاجية ونمو الاستهلاك. وتتضمن الخطط الموضوعة عددا من الخطوات لتشجيع النموذج الجديد. فعلى سبيل المثال، للسماح بمزيد من المرونة في حركة العمالة، تخطط السلطات لتخفيف القواعد التي تربط بين المزايا الحكومية المقدمة للأسر بالمنطقة المسجلة فيها كل أسرة، كما تنوي السلطات إدخال إصلاح مالي لتحسين تسعير رأس المال وتوجيهه لأكثر الاستخدامات كفاءة، وفتح قطاع الخدمات، وهو قطاع لا يزال مغلقا في معظمه أمام التجارة الخارجية والاستثمار الأجنبي. ومن المتوقع أن يؤدي التحول السلس إلى تمكين الصين من مواصلة النمو بمعدل يراوح بين 6 و 7 في المائة في العقد المقبل. ولن يعني ذلك زيادة الطلب على الطاقة والمعادن بالمستوى السابق نفسه، ولكنه سيتيح مصدرا مستقرا للاستثمار المباشر في البلدان الأخرى. وستضطر إفريقيا إلى المنافسة على حصتها من خلال الاستثمار في البنية التحتية، وإدخال تحسينات على مناخ الاستثمار، وتعزيز رأس المال البشري، لأننا خلصنا إلى أن البلدان التي تمتلك رأسمال بشري أكبر تجذب قدرا أكبر من الاستثمارات الصينية ذات المهارات العالية. غير أن الأمور يمكن أن تؤول إلى نتائج أكثر سلبية. فللمرة الأولى، يصبح الاستثمار الصيني في الخارج أكثر بكثير من الاستثمار في الداخل؛ ويعد تباطؤ الاقتصاد المحلي جزءا من السبب، حيث إن الشركات الصينية المحلية تبحث عن الربح في أماكن أخرى. والواقع أن صافي التدفقات الرأسمالية الخارجة من الصين في عام 2015 كانت استثنائية. فتقرير خبراء الصندوق المعني بمشاورات المادة الرابعة لعام 2015 مع الصين يتوقع فائضا في الحساب الجاري قدره 337 مليار دولار. وتراجعت احتياطيات البنك المركزي حتى سبتمبر بمقدار 329 مليار دولار. ويتيح الرقمان معا تقديرا مبدئيا لصافي التدفقات الرأسمالية الخارجة مبلغا قدره 166 مليار دولار. وإذا لم تحقق الصين تحولا سلسلا إلى نموذج جديد للنمو، فستظل مصدرا كبيرا لرأس المال على المدى القصير ولكنها لن تحقق نموا بالمعدل نفسه على المدى المتوسط إلى الطويل، ومن ثم لن تصبح مصدرا مهما لرأس المال. وسيكون نجاح الصين في استعادة التوازن نتيجة أفضل لها ولبقية العالم النامي أيضا
مشاركة :