يوسف أبو لوز يكشف الصحفي الأستاذ.. العابر للأجيال إميل خوري (95 عاماً) لنذير رضا في الشرق الأوسط كيف عرف بأمر لقاء سرّي جرى بين ياسر عرفات ورئيس الحكومة اللبنانية آنذاك رشيد كرامي.. يقول: «.. يومها توجهت إلى الحازمية -ضاحية في بيروت- لمراقبة السيارات التي تصل إلى مقر السفارة المصرية. شاهدت موكب أبو عمار يمر، وبعدها بنصف ساعة شاهدت رشيد كرامي الذي توقف لسؤالي عن وجودي في المنطقة، فأخبرته أنني في زيارة لأحد معارفي، وهو سألني عن منزل يوسف طنّوس محاولاً التمويه. لكنني لحقت بالسيارة وشاهدته يتوجه إلى السفارة، فتيقنت أنه يلتقي ب (أبو) عمّار هناك..».يلفت القارئ هنا في هذه الخبرة الصحفية (المدرسة) ما يشبه لعبة القط والفأر، أو لعبة (الاستغماية) بين السياسي والصحفي، فالسياسي لا يريد أن يكشف للصحفي عن المكان الذي سيتواجد فيه للقاء عرفات، فيموّه، ويزعم أنه ذاهب إلى منزل يوسف طنّوس.الصحفي أيضاً يناور ويموّه.. فيخبر السياسي أنه في زيارة لأحد معارفه، وربما تحت التمويه ثمة ما يُقال أن إميل خوري يعرف أن رشيد كرامي ذاهب إلى السفارة المصرية، وأن رشيد كرامي يعرف أن إميل خوري واقف هنا بالقرب من السفارة ليحصل على خبر السبق الصحفي.. لقائه بياسر عرفات.بقي أمر آخر لافت في هذه الحكاية أن الصحفي ربما كان في الستين أو أواخر الخمسين من عمره وهو يراقب السيارات التي تصل إلى مقر السفارة المصرية، أي أنه لم يجلس في مكتبه وهو ينتظر خبر اللقاء بين الزعيمين عرفات وكرامي يأتيه بالفاكس أو بالهاتف.هل هو درس في الصحافة للكثير من العاملين في مهنة الحدث والموقع والمغامرة؟.. خصوصاً الكثير من صحفيّي زماننا هذا الذين تصلهم الأخبار بالبريد الإلكتروني، أو على شاشة الموبايل المحمول، وشكراً لخدمات «البريس ريليز» أو اختصاراً ال «P.R».كان الأساتذة الكبار، مرة ثانية العابرون للأجيال، صحفيّي ميدان بكل معنى الكلمة. كان الواحد منهم يبحث عن الخبر حتى لو كان ملقى في سلّة المهملات، وإذا تطلب الأمر يتحول الواحد من ذلك الجيل المعلم إلى مخبر متخفٍّ تحت أكثر من قناع، لكن وجهه الحقيقي هو وجه الصحفي الذي يصدق صحيفته، وقبل ذلك، يصدق قارئه وضميره.نورد هنا حكاية إميل خوري الذي عرف مهنة الصحافة في العام 1952، أي قبل أكثر من 66 عاماً وحبرها يجري في قلمه.. أو دمها.. دم صاحبة الجلالة يجري في عروقه.. وعلى ورق أبيض بحبر أسود.. حتى اليوم. ومذّاك، وإلى الآن لا كمبيوتر بارد، ولا إيميل أكثر برودة، فقط هذه الكينونة العظيمة المحترمة التي اسمها إميل خوري الأساتذة.. في أستاذ كان ذات يوم يراقب السيارات في الحازمية ليكتب مادّته بالحبر الأسود. yabolouz@gmail.com
مشاركة :