القـراءة.. شغف عابر للأجيال

  • 11/9/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: يوسف أبولوز ماذا يقرأ الأب؟.. ماذا يقرأ الابن؟ أو بتساؤل ثانٍ، ماذا يقرأ الكهل؟ وماذا يقرأ الشاب؟.. الإجابة في المعرض وبين أروقته، وللحق منذ البداية ثمة حضور محدود للشباب القارئ، في حين أنك من وقت إلى آخر تتابع بنظرك رجلاً في الخمسين من عمره وهو يدفع حقيبة مملوءة بالكتب. الكبار في السن يميلون إلى قراءة الكلاسيكيات الروائية والنثرية والشعرية، فعلى تلك العناوين تربى ذلك الجيل الذي ولد في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، إنه على صعيد الشعر مثلاً جيل نازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، والجواهري، وعمر أبو ريشة، وعبدالله البردوني، ويشذ عن هذه القاعدة شاعر مثل نزار قباني الذي يبدو أنه شاعر كل الأجيال. إلى الآن تعاد طبعات الأعمال الشعرية لنزار قباني العابر للأجيال إن جازت العبارة، فهو مقروء عند الخمسينيين والستينيين والأربعينيين، ولكن أحياناً يقرأ صاحب «الشعر قنديل أخضر بتحفظ عند بعض كبار السن، إنه شاعر ممنوع من دخول غرفة النوم أو التواجد في صالون المنزل، لكن مع ذلك هناك شباب وشابات يقرأون الشاعر الذي يُسمى عند البعض شاعر المرأة أو شاعر الحب، وقد تعود قراءة الشباب لنزار قباني إلى غناء الكثير من قصائده، فقد غنى شعره كاظم الساهر، وعبدالحليم حافظ، وماجدة الرومي، ونجاة الصغيرة، وأصالة، وغنّت له أم كلثوم قصيدته التي يقول فيها «أصبح عند الآن بندقية». من خلال التجوال في المعرض، ومراقبة بوصلة اتجاه كبار السن يلاحظ أن البعض منهم يتوقف عند دور النشر القديمة التي تبيع الكتاب التراثي والكتاب الديني، وإلى جانب ذلك هناك قارئ كبير في السن أعطاني اسمه (أبو أحمد)، ولأمر ما لم يفصح عن اسمه الكامل.. قال إنه يقرأ الكتاب السياسي الراهن وموضوعاته المتفرعة: الأصوليات الإسلامية، تمدد «داعش»، الحرب في سوريا، الحرب في العراق، الإرهاب، وغير ذلك من موضوعات ينجذب إليها قرّاء فوق الأربعين من أعمارهم.. ولكن.. ماذا عن كتب البيئة؟.. مثل هذه الموضوعات، ولنكن صادقين مع أمانة الكتاب وأمانة القارئ ليست من اهتمامات القارئ العربي سواء أكان كبيراً أم كان صغيراً. البيئة، والتصحّر، وثقب الأوزون، والتلوث تأتي في الدرجة الثالثة من حيث ثقافة القارئ العربي، مع أنها موضوعات مطروقة إعلامياً على نحو شبه يومي. يتوقف البعض من كبار السن عند دور النشر التي تهتم بكتب التاريخ.. ولكن هذا لا يعني أن (الأب) لا يقرأ الرواية، ولكن جيل الأب له حنينه دائماً: نجيب محفوظ، مصطفى لطفي المنفلوطي، إحسان عبدالقدوس، وغيرهم من كلاسيكي الخمسينات والستينات من القرن العشرين. هل القارئ (الأب)؟.. و(الأب) هنا كناية عن الجيل القديم.. أقول هل هذا القارئ.. انتقائي أم أنه عشوائي؟.. الملاحظ من خلال التجوال في المعرض أنه قارئ انتقائي. إنه يتوقف طويلاً عند عنوان الكتاب. يقلّب الصفحات، يفحص العناوين والفصول الداخلية. يتابع الفهرس، وبالطبع يسأل عن السعر. متعة داخلية أن تراقب كتب الكهول، وكتب الشباب، وهؤلاء أي الشباب أكثر سرعة- على ندرتهم- في المعرض، إن تجوال كبار السن في المعرض هو تجوال البطء، في حين أن تجوال الشباب هو تجوال السرعة. تميل شابة في الخامسة والعشرين من عمرها إلى ما أسمته كتب التحدي.. «..لأن طبيعتي هي طبيعة متحدية..» وهي صفة إيجابية تجد صداها في الكتب ذات الطابع الاجتماعي، وفي الرواية أيضاً نجد أبطالاً ذوي طبيعة متحدية «الشيخ والبحر» على سبيل المثال لا الحصر. إنه لمن المفاجئ حقاً أن تجد جيلاً شاباً يقرأ الرواية، وإن كان من «جملة معترضة صغيرة» فتكفي استعادة صورة الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي وهي توقع رواياتها في المعرض. هناك صف طويل من القرّاء أغلبهم من الشباب، وتحديداً من الشابات. شابة أخرى في نحو السابعة والعشرين من عمرها كانت تبحث عن كتب الأبنودي، وسوف أكون متفاجئاً عندما أخذت كتاباً لفراس السوّاح.. «..معرفة قريبة من الروح مقنعة وغير متسلّطة..»، لا بل هنا أيضاً ضمن مقتنيات نموذج شاب أنثوي تجد «ميشيل فوكو»، ونعوم تشومسكي، وديستوفسكي، واسيني الأعرج، غسان كنفاني.. وغيرها من أسماء. ليس صحيحاً أن قراءة (الابن) عشوائية أو غير منظمة، فهو اختياري ويعرف ماذا يريد من الكتب التي يذهب لشرائها معتمداً في ذلك على مراقبته لبوصلة أبيه نحو القراءة إن أمكن أن يقتنع بهذه البوصلة وهو يعيش ثقافة الكمبيوتر والكتاب الرقمي. القارئ (الابن) أو القارئ الشاب هو قارئ مُقارِن إن جازت العبارة، إنه قارئ رواية، وقد يدفعه شغفه هذا إلى كتابة رواية.. فهل يمكن الربط بين هذه الفكرة، وبين ظاهرة توجّه الكثير من الجيل الشاب في الإمارات إلى الرواية؟.. للإجابة عن هذا السؤال يمكن معاينة العناوين الروائية التي تصدر عن دور نشر إماراتية، وبخاصة في السنوات العشر الأخيرة، فهناك مدونة روائية ملحوظة وأيضاً بأقلام نسائية. بين قارئ الأمس، وقارئ اليوم.. بين القارئ الكهل، والقارئ الشاب ينهض الكتاب الورقي الذي هو الآخر عابر للأجيال، فعين الشاب تصوّب أحياناً، ولو من باب الفضول، على مقتنيات أبيه، وفي الوقت، تصوّب عين الكهل على مكتبة ابنه، وفي الحالين يلتقي الاثنان على شغف القراءة.

مشاركة :