كان طريق الوزارة - في أحيان كثيرة - آمناً، فإن قطعه الرجل دخل دائرة الاستقرار والسلطة الهادئة، وضمن سنوات من الخدمة قد لا تنتهي إلا بحضور الموت أو إعاقة المرض والعجز. كانت دوائر الوزارة محددة ومعلومة، فإن خلا مقعدها دارت الترشيحات حول أسماء محددة لا تخرج عنها إلا نادراً، وفي مفاجآت قليلة. كانت الخدمة الحكومية الطويلة هي البوابة الأولى، مدعومة بجهد استعراضي مكثف عبر مستويين. الأول: تدبيج المقالات الناضحة بالخبرة الفنية والنصائح وطرق معالجة المشكلة، حتى إن اقتضى الأمر البحث عن صحف عربية بارزة والتمدد فيها بأي شكل، مع الثناء المفرط على أي قرار أو توجه والإشادة المطلقة به من دون أن يفوت أية مناسبة. هو حاضر دائماً في كل مناسبة اجتماعية تقربه من أصحاب القرار حتى يألفوه، لعلهم يتذكرونه حين يدور البحث عمن يقتعد الكرسي الشاغر. الثاني: مع كل قرار يصدر بتعيينه في مكان ما يحرص على نشر سيرة طويلة لا تفوت أية محاضرة أو دورة تدريبية عادية، وعضوية المجالس المتعددة حتى إن كان رسمها لا يتجاوز 100 ريال، ليبدو نشطاً ومجتهداً وواسع الاهتمامات والمعرفة. نجحت هذه التقنية في أوقات معينة، لكن الوزير شخصية قيادية، حازم في قراراته، ساع إلى تحديث وتطوير خدمات مؤسسته، مطالب بالتسهيلات اللازمة، وليس بالضرورة مجرد خبرة عمل حكومية تراكمت خلال سنوات طويلة، لا تعني أحياناً سوى الفة البيروقراطية والسكون إليها. اليوم، أصبحت الوزارة كرة لهب لا يطفئ حريقها سوى العمل الجاد والسريع، والقدرة الفذة على مواجهة الأزمات، والمهارة في تحريك الراكد، ونبذ الجامد، وبث الحياة في أوصال الوزارة لتكون رشيقة مثل «التجارة»، وتفيض حماسة كما هي حال «العمل»، أو تعيد تشكيل ذاتها وتجديد أدواتها مثل «العدل». كانت الوزارة مطلباً وغاية كلما أشرعت أبوابها ترقب الحالم بها الاتصال السحري ليهرع إلى الكرسي الجميل، وينشغل بالحفاوة والصور والنشاطات الترحيبية فلا يبقى ثمة مكان للعمل. الآن لم تعد كذلك بعد أن أصبحت كلمة «السابق» تلتصق ببعض الوزراء أكثر من كلمة «معالي» المرتبطة بالمنصب الحاضر والقائم. تحتشد صفحات مجلس الوزراء منذ تأسيسه بأسماء لامعة ومشرفة وذات ذكر لا يقصيه تقادم الزمن، إلا أنهم صنعوا ذلك بدأبهم وجديتهم، أما اليوم فالمعيار مهني، والقاعدة ثابتة، والمراجعة مستمرة، إذ يبدأ الحساب لحظة تسلم الوزارة فإن خاب الظن وأخل بالعقد جاءت النهاية بسرعة الاستقطاب. كان الطامح يدعو: اللهم الوزارة، ثم أصبحت دعواه: اللهم نجني منها، ولا تحملني أمانتها. ولعله بعد أن كان يحضر عبارات الامتنان والشكر على الثقة، يبحث عن طرق الاعتذار عنها. مهما كان عدد المغادرين فسيأتي رجال شجعان يرتقون الصعاب، ويتلذذون بالعمل والإنجاز، ويواجهون العوائق بصلابة الفرسان. تغيرت الطريقة والمتطلبات، ما يعني الالتفات إلى رجال آخرين عملوا ونجحوا، وإن لم يظنوا يوماً أنهم قد يدخلون دوائر الوزارة. انفتح الأفق واسعاً فكثرت الخيارات.
مشاركة :