هُنَاك أمُورٌ نَفسيّة لَا يَلتفت إليهَا المَرء، وهي تَتبوَّأ مَكَانَة كَبيرة مِن الأهميّة.. هَذه الأمُور قَد تَجعل الإنسَان يَكتَسَب ثِقَة كَبيرَة بنَفسه، حِين يَتخلّص مِنها، أو يَتجَاهلها.. وحتَّى تَتّضح الفِكرة؛ دَعونَا نَستعين بالشَّواهِد، لَعلَّها تُقرّب الأمُور، وتَكشف المَستُور: يَقول أهل الحِجَاز -عَليهم شَآبيب الرَّحمَة-: (اللي يخاف مِن الذِّيب يطلع له)، بمَعنَى أنَّك إذَا ركّزتَ عَلى الشِّيء، ودَقّقتَ في النَّظر إليهِ سيَخرج لَك، أو عَلى الأَقَل سيُهيَّأ لَك أنَّه أَمَامك.. وهَكَذا النَّفس البَشريّة تَعمل..! وللتَّوضيح أكثَر: يَقول سيّدنا «عمر بن الخطاب» -رَضي الله عَنه-: (اطلب المَوت تُوهَب لَكَ الحيَاة)، بمَعنَى أنَّك إذَا تَجَاهَلْتَ الحيَاة؛ وبَحَثْتَ عَن المَوت غَفلَ المَوت عَنْك، لِذَلك كُلَّما تَفاديتَ أَمراً بُليت بِه، وفي ذَلك يَقول عَالِم تَطوير الذَّات الكَبير الدّكتور «إبراهيم الفقي» -رَحمه الله-: (إنَّ أي شَيء تُحاول أنْ تَتفَادَاه؛ تَظلّ الفِكرة الخَاصّة بِهِ مَوجودة، فإذَا أَردتَ أنْ تَتفَادَاه فأنتَ في هَذه الحَالَة تزيد مِن قوّته)..! وأخيراً.. دَعوني أُبسِّط الفِكرة بشَكلٍ؛ لَا يَترك مَجالاً للغمُوض أو الالتبَاس: عِندَما كُنتُ صَغيراً، كُنتُ أُجيد المَشي فَوق الجُدرَان، هَكذا بالفِطرة، وحِين سَألني أَحَد أبنَاء الجيرَان: كَيف تَمشي بهَذه الطَّريقة الصَّعبَة؟ حَاولتُ أَنْ أَشْرَح لَه المِثَال بالتَّطبيق، لَكنّني سَقطتُ مِن الجِدَار، لأنَّني رَكّزتُ عَلى الفِكْرة، وتَفلسفتُ فِيها، حتَّى أُعقّد الأمُور عَلَى السَّائِل، ونَسيتُ التَّطبيق البَسيط الذي اعتَدتُ عَليه، فصَعّبت الأَمر عَلَى نَفسي، حتَّى وَقعتُ في شَرّ أعمَالي..! أكثَر مِن ذَلك، يُروَى أنَّ إحدَى الحَشَرَات سَأَلَتْ الحَشَرَة الزَّاحِفَة التي تُسمَّى «أم 44 رِجلاً»، قَائِلة لَها: كَيف تَستطيعين تَنسيق أَرجُلك أثنَاء المَشي، وتَحريكها مِن غَير تَصادُم أو ارتبَاك؟ فقَالت: إنَّني أَمشي هَكَذَا بالفِطرَة، فَرَجَتْهَا الحَشَرَة السَّائِلة أنْ تُريهَا كَيف تَفعل ذَلك عَلى أَرض الوَاقِع، ففَعَلَتْ ذَلك وهي مُنغمسة في الشَّرح والتَّفصيل، حتَّى ارتَبَكَت و»اختَبَصَت»، لأنَّها حَاوَلَت فَلسفة الأمُور والتَّدقيق فِيها، فحَدَث لَها مَا حَدَث لِي بالضَّبط؛ في حِكَايتي مَع المَشي عَلى الجُدرَان..! حَسناً.. مَاذا بَقي؟! بَقي أنْ نُذكِّر بأنَّ التَّدقيق في بَعض الأمُور؛ يُفسد الفِطرة، ويَجعلها «فطيرة»..!!! T: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com