الكتابة امتحان قاسٍ لإنسانية الكاتب | واسيني الأعرج

  • 4/16/2015
  • 00:00
  • 16
  • 0
  • 0
news-picture

كلما أظلمت الحياة، التفت الكثير من عشاق الكتب والأدب نحو الكاتب ينتظرون صرخته، وكثيرًا أيضًا ما تطرح عليه، في عز الحرائق، أسئلة شديدة الخطورة حول ضرورة تحمله مسؤوليات كبيرة تتجاوز قدراته وطاقاته، علاقته بالجماهير، بالمجتمع، بالتحولات، بالحروب، بالظلم، لكن يحدث أن ننسى أن الكاتب في النهاية إنسان لا يتميز عن غيره إلا بإنسانيته وهشاشته، التي عندما يخسرها ينهار مشروعه وجوهره، فهو ليس نبيًا مسلحًا بالحلول ومدججًا بالقنابل، ليس بابا نويل يدخل من مداخن المدافئ ويمنح هدايا للمنتظرين، ليس ساحرًا يغير كل شيء بلمسة ويبعثر النجوم وقتما يشاء، الجماهير التي تحب كاتبها لا تنتظر منه الخوارق، ولكن أن يكتب فقط ما يهز غفوتها ويسعدها، هو أيضًا يكتب لأنه لا خيار له إلا ذلك، ويسعد قارئه لأنه يرى نفسه فيه، ويدرك سلفًا، ربما أكثر من غيره قليلاً، أن هذه السلسلة من الحروف والأبجديات المبهمة التي يشكلها كما يشاء ويشتهي، هي وسيطه الأوحد والحي، بينه وبين الذين ينتظرون حروفه بشوق كبير، لا مسدسات في جيبه ولا في مخه، لا وجود اجتماعي له إلا داخل هذه الحرفة التي اسمها "الكتابة" التي ليست فعلاً هينًا إذ قد تترتب عنها آلام وعذابات بلا حدود، مشكلته أنه لا يعرف الكذب أمام تاريخ قد يحاسبه لاحقًا بقسوة إن زلت قدماه، وأخطأ في تقييمه لعصره في كتاباته، فيدفع الثمن غاليًا مثل الشاعر الفرنسي برازياك الذي ساند النازية ظنًا منه أنها تمثل القومية الأوروبية، قبل أن يعدم مباشرة بتهمة التواطؤ مع الأعداء من هنا فالكاتب ضمير حي. قد يقف ضد الحروب كلها لأنه يؤمن في عمقه أنه لا توجد حروب عادلة، وأخرى ظالمة، حيث يسيل الدم فثمة ظلم وموت. صحيح أن هناك حروبًا ظالمة بلا شك، مثلما حدث في فترات الاستعمار المتعاقبة، وما تلاها من حروب مضادة تدافع عن الأرض والحدود ومساحات الحرية، المشكلة هي أن جوهر أية حرب، قسوة كبيرة وتدمير متواتر، أمريكا ابتدعت الحروب الجراحية الشديدة الدقة، لكن على الأرض، على الرغم من التكنولوجيا، أكلت الضربات الصديقة آلاف الضحايا، لهذا يجب أن نحذر كثيرًا من استسهال الحروب إلا في الضرورات المتعلقة بالدفاع عن النفس من معتد لم تردعه لغة الحوار والعقل. السعادة التي يمنحها الكاتب إذن هي أن يوفر لقارئه فرصة أن ينقل بصره من داخل الرماد إلى الحياة الممكنة، لأنها أكبر رهان في النهاية، وأن يجعل من سيل الدم خيطًا أخضر للحياة وليس العكس، لا يتغنّى بالدم، ولكن بالنور الذي يخرج من عمق الخراب، يمكنه أن ينشئ من داخل البشاعة والقلق الوجوديين، لحظة تجعلنا أكثر شغفًا وتشبثًا بما حولنا من جمال واستمرارية، لأن الحياة هي الهدية الوحيدة التي لا تتكرر مرتين. كتب همنجواي ومحمد ديب ومالرو وغيرهم عن النار والموت بنقد وحب أيضًا، لأنهم كانوا يرون في الحرب وسيطًا للخروج من الظلم، لكن في الوقت نفسه ظلوا أوفياء للقيم الإنسانية حتى النهاية. إننا نعيش زمنًا قاسيًا وصعبًا انخرط فيه الكاتب العربي بقوة ليقرأ عصره وأرضه ومصائر الناس، الكتابة بهذا المعنى امتحان قاس لإنسانية الكاتب.

مشاركة :