لا يصب الاتفاق الإطاري الموقع أخيراً بين إيران ومجموعة 5+1 في مصلحة روسيا من الناحية الاقتصادية. وبغض النظر عن الحسابات السياسية، يمكن لاتفاق نهائي أن يضيع على موسكو معظم الامتيازات التي كسبتها على خلفية العقوبات الغربية المفروضة على إيران، ولا يُستبعد أن يتحول التعاون بين طهران وموسكو إلى تنافس في مجال النفط في المديين القريب والمتوسط ومنافسة في مجال الغاز الطبيعي في المدى البعيد. وكانت موسكو خلال السنوات الماضية بوابة طهران المشرعة للدعم السياسي ومحاولة التخفيف من آثار الحصار الغربي المفروض على قطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية، وفي العامين الماضيين سربت وسائل إعلام روسية أنباء عن اتفاق لشراء 500 ألف برميل من النفط الإيراني يومياً في مقابل معدات وبضائع روسية بصفقة تصل قيمتها إلى 20 بليون دولار. لكن العلاقات الروسية - الإيرانية قد تدخل منعطفاً يحولها إلى حالة من التنافس بعدما كانت توصف بالاستراتيجية. وفي الحد الأدنى، يمكن أن تساهم عودة إيران إلى سوق النفط العالمية في تراجع الأسعار، ما يعمّق أزمة الاقتصاد الروسي. النفط الإيراني وفي حال الالتزام ببنود اتفاق الإطار يمكن للإنتاج النفطي الإيراني أن يرتفع خلال أشهر، ما يعني طرح مزيد من النفط في السوق المتخمة أصلاً. وتسعى طهران إلى رفع إنتاجها وزيادة الصادرات بعدما أدت العقوبات الغربية إلى خفض إنتاجها من نحو أربعة ملايين برميل يومياً عام 2008 إلى 2.8 مليون برميل عام 2014. وأظهرت بعض الدراسات أن إيران قد تبدأ مباشرة بتصدير نحو 30 مليون برميل من المخزونات الموجودة لديها، إضافة إلى رفع الإنتاج إلى نحو 3.6 مليون برميل نهاية العام الحالي. وتستأثر إيران بنحو تسعة في المئة من الاحتياطات العالمية المؤكدة من النفط، ولذلك تعد سوقاً مغرية للشركات الغربية بفرص استثمارية واعدة في حال رفع الحظر المفروض الذي أجبر الشركات العالمية على مغادرة البلد تدريجاً، وكان آخرها «توتال» عام 2008. أما الشركات الروسية مثل «لوك أويل» و «غازبروم نفت»، فحاولت سد الفراغ ووقعت تفاهمات مع طهران لكن الشروط الإيرانية وفق نظام «إعادة الشراء» لم تكن مغرية بما فيه الكفاية للاستثمار، وإطلاق مشاريع ضخمة. وفي حال التوصل إلى اتفاق نهائي حول الملف النووي، فإن كثيراً من الشركات النفطية الرائدة عالمياً تستعد للعودة إلى إيران، التي لم تخف رغبتها وترحيبها بأي استثمارات غربية، ففي منتدى «دافوس» العام الماضي دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني الشركات العالمية إلى الاستثمار في قطاع الطاقة في بلاده. وبطبيعة الحال فإن الإمكانات المادية والتقنية للشركات الغربية أكبر بكثير مما تملكه نظيراتها الروسية، خصوصاً في ظل العقوبات المفروضة على موسكو. قطاع الغاز والضرر الأكبر قد يلحق بقطاع الغاز الطبيعي الروسي في المدى البعيد، إذ سعت إيران منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية إلى طرح نفسها كمصدر موثوق لإمدادات الغاز بدلاً من روسيا. وفي الاجتماعات على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول (سبتمبر) الماضي، قال روحاني في ضوء الصراع حول أوكرانيا والذي يمكن أن يتسبب في مشكلات بإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، أن إيران مستعدة لطرح «مصدر موثوق للغاز، يتمتع بإمكانات هائلة». وفي المقابل أرسل قادة الاتحاد الأوروبي إشارات بأنهم يدرسون آفاق وإمكانات شراء الغاز الإيراني في إطار الإجراءات التي تسمح لأوروبا بتخفيف اعتمادها على شحنات الغاز الروسي. وتحتل إيران المرتبة الثانية عالمياً باحتياطات الغاز الطبيعي بعد روسيا، كما أن موقعها الجغرافي غير البعيد نسبياً عن أوروبا، وكذلك قربها من العراق ودول بحر قزوين يمكن أن يجعلاها البلد الأقدر على كسر هيمنة روسيا على سوق الغاز الطبيعي في معظم الأسواق الأوروبية. وتنتج إيران نحو 160 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً، أي ما يعادل ثلث استهلاك الاتحاد الأوروبي. ورأى خبراء أن إنتاج إيران قد يرتفع إلى نحو 215 بليون متر مكعب عام 2020، 35 بليوناً منها للتصدير إلى تركيا وأوروبا، لكن حلول إيران مكان روسيا دونه رفع إنتاج الغاز لتلبية الحاجة الداخلية الكبيرة والاستغناء عن الاستيراد من تركمانستان، إضافة إلى إنتاج فائض للتصدير، كما يجب تحضير البنية التحتية اللازمة لنقل الغاز إلى أوروبا، ما يحتاج فترة زمنية أطول مقارنة بتأهيل حقول النفط. وإذا رفع الحظر وسارت الأمور كما يجب، فإن إيران ستشكل منافساً قوياً لروسيا في مجال الغاز في العقد المقبل، ما يحرم الكرملين من وسيلة قوية للضغط على بروكسل. وكشفت مصادر في مجال صناعة النفط والغاز خلال الأشهر الماضية أن تركيا تستعد لتأمين بنية تحتية لشبكة أنابيب لنقل الغاز الإيراني بعد رفع العقوبات. وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته إلى طهران أخيراً أن بلاده مستعدة لرفع وارداتها من الغاز الإيراني في حال خفض الأسعار، ما يشكل منافسة كبيرة لروسيا التي أعلنت أنها ستبني شبكة خطوط عبر تركيا بدلاً من السيل الجنوبي، وقدمت حسماً يصل إلى ربع قيمة الغاز المصدر إلى تركيا والمقدر بنحو 20 بليون متر مكعب سنوياً. الشركات العالمية وبعيداً عن قطاع الطاقة، فإن رفع العقوبات سيفتح شهية الشركات العالمية للعمل في إيران في كل المجالات بدءاً من البنية التحتية والآلات والمعدات والطائرات وصولاً إلى التقنيات العالية. وفي هذا المجال فإن حظوظ الشركات الروسية في المنافسة أقل بكثير مقارنة بنظيراتها الصينية والغربية، ما يعني أن حصة روسيا من الانفتاح الإيراني على العالم ستكون صغيرة جداً. وتملك روسيا حظوظاً كبيرة في مجال مواصلة بيع الأسلحة والعتاد، لكن تجارب السنوات الماضية والمشكلات التي رافقت صفقة صواريخ «أس 300» تبقى محل خلاف كبير بين البلدين، وقد يتواصل التعاون في حدوده الدنيا. واستدراكاً، فإن رفع العقوبات الغربية عن إيران قد يُضعف العلاقات مع روسيا في مجالات اقتصادية عديدة، فعلى رغم الحصار وما يقال عن علاقات استراتيجية، فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين لم يصل إلى بليون دولار سنوياً، وروسيا غير قادرة على تزويد إيران بمعظم احتياجاتها اللازمة بعد سنوات طويلة من العقوبات والحصار. ولعل الأخطر أن تراجع حدة الصراع مع الغرب قد يدفع إيران إلى التنافس مع روسيا في آسيا الوسطى وبحر قزوين، وبناء تحالفات جديدة تعطل خطط موسكو لعرقلة أي محاولة لتصدير الغاز والنفط إلى أوروبا من دون المرور عبر أراضيها. ولا تخفي طهران رغبتها الدخول إلى سوق الغاز الطبيعي في أوروبا، وربما يكون أي اتفاق مع تركيا بداية لتضارب استراتيجيات طهران وموسكو في مجال الطاقة.
مشاركة :