تنذر البطالة المتفشية في العراق بتدهور الأوضاع في هذا البلد، الذي نخرته المحاصصة والفساد وسوء الإدارة، وقد تؤدي إلى انفجار لا يعرف أحد مداه، فقطع الأعناق ولا قطع الأرزاق. يعزي خبراء اقتصاديون أبرز أسباب تفاقم البطالة في العراق إلى سوء الإدارة، وتفشي الفساد، وعدم وجود خطط حقيقية لإنعاش الاقتصاد، بالإضافة إلى عدم فسح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية، وعدم وجود معالجات حكومية جادة. وأشعلت غضب العراقيين رسالة انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي عن الوضع في مصفى كربلاء. حددت الرسالة وجود أكثر من 25 ألف موظف ما بين عامل وإداري ومهندس وخبير، بينهم، فقط، نحو 1600 عراقي. أما البقية فهم كوريون، إيرانيون، هنود، بنغاليون، وأتراك، وربما آخرون من جنسيات أخرى. وأقل راتب يتقاضاه أحدهم هو 800 دولار، وأكثر راتب هو 4500 دولار. وعلى الرغم من أن شروط التعاقد بين الحكومة العراقية والشركة الكورية المستثمرة أن تكون أغلب الأيدي العاملة من العراقيين (نسبة 60 بالمئة)، إلا أن الواقع هو غير هذا. والسبب، كما تقول الرسالة هو أن المحافظ يمتلك شركة داخل المصفى لجلب العمالة الأجنبية وتشغيل سيارات، مقابل مئات الآلاف من الدولارات. كما أن أحد المتنفذين لديه شركة يديرها أخوه تجلب العمالة البنغالية بـ500 دولار للشخص الواحد، بينما تتقاضى عن كل عامل 800 دولار من الشركة الكورية. وجلبت هذه الشركة أكثر من 5 آلاف عامل بنغالي لتستفيد من ذلك بأكثر من 300 ألف دولار شهريا. وهناك متنفذ آخر لديه شركة يديرها ابن عمه جلبت، هي الأخرى، أكثر من 5 آلاف عامل بنغالي تستفيد، أيضا، بأكثر من 300 ألف دولار شهريا، كما أن أحد المسؤولين في مجلس المحافظة لديه شركة يديرها أحد أقاربه جلبت أكثر من ألف مهندس إيراني وعمالة فلبينية وبنغالية، وكذلك تجني الملايين من الدولارات شهريا. يجري هذا كله أمام أنظار شباب يتخرّجون من الجامعات وحملة شهادات عليا ولا يعثرون على فرصة عمل مما يمثّل كارثة واقعية تؤكد أن ذئاب الإسلام السياسي انقضّت على العراق، منذ لحظة الاحتلال الأولى، لتجعل من بلد الخيرات بقرة حلوبا لحساباتها الشخصية وتعمد إلى إفقار الشعب وتجويعه وإذلاله، مما يثبت أن المستوطنين الدائحين كلهم لصوص من دون استثناء نهبوا الثروات. وافتضح أمر غابة الذئاب واستهتارهم، منذ العام 2003 وحتى اللحظة القائمة، فكل مسؤول منهم في الدولة أو قائد ميليشيا أقام مشروعا شخصيا وحزبيا واستورد عمالا وخبراء أجانب. هذا باب واحد من أبواب الفساد وجانب واحد من جوانبه، فما بالك بالأبواب والجوانب الأخرى؟ وتظهر أرقام رسمية أن معدل البطالة وسط الشباب يتجاوز الـ20 بالمئة، في حين تحدثت منظمات دولية وأخرى غير حكومية عن نسبة أعلى من الـ40 بالمئة. أطلق المتحدث باسم وزارة التخطيط العراقية عبدالزهرة الهنداوي تصريحا عزا فيه ارتفاع نسبة البطالة في العراق، خلال السنوات الماضية، إلى أن السنوات الأخيرة شهدت إيقاف الكثير من المشاريع والفعاليات الاقتصادية، مما انعكس سلبا على واقع سوق العمل في العراق. لكن كثيرين يذهبون إلى أن البطالة جاءت نتيجة للتخريب المتعمّد للقطاع الصناعي، الذي ألحقه المستوطنون، منذ مجلس الحكم الانتقالي حتى وزارة عادل عبدالمهدي 2018، إذ صمموا على تدمير البنية التحتية للبلاد صناعيا وزراعيا فأوقفوا التنمية في قطاعات الاقتصاد العراقي بقيادة منظومة إياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي وحيدر العبادي، وخامسهم عادل عبدالمهدي، لذلك فهم يستبعدون وجود ما يدعى سوء إدارة أو أخطاء، ويرون أن الذي حصل ويجري هو تدمير منهجي للعراق. والواقع أن النظام السابق للاحتلال أنشأ مصانع ومعامل عملاقة كانت تسهم في سدّ نسبة كبيرة من الحاجات الوطنية للبضائع والسلع من دون الحاجة إلى استيرادها ولكنها تركت، بعد الاحتلال، نهبة للسارقين وأهملت وتوقف إنتاجها وسرّح العاملون فيها، لذلك فإن ما قاله المتحدث باسم وزارة التخطيط يحتاج إلى مراجعة. وفقا للإحصاءات القريبة يأتي العراق في مقدمة دول الشرق الأوسط بنسبة بطالة تقدّر بـ59 بالمئة من حجم قوة العمل و31 بالمئة بطالة مؤقتة ونحو 43 بالمئة بطالة مقنعة، كما تقدر نسبة النساء العاطلات بـ85 بالمئة من قوة عمل النساء في العراق. وحسب مختصّين فإن العراق يعاني من خمسة أنواع من البطالة، هي: بطالة دورية ترافق الدورة الاقتصادية، والتي يقول خبراء إنّ مداها بين ثلاث وعشر سنوات، وبطالة احتكاكية ناتجة عن التنقل المستمر للعاملين بين المناطق والمهن المختلفة بلا إيقاع مفهوم، والبطالة الهيكلية وهي بسبب تغيرات هيكلية حدثت في الاقتصاد القومي، الذي يعاني من غياب البوصلة، والبطالة السافرة الناتجة عن اختلاط البطالات السابقة وتداخلها، وأخيرا البطالة المقنعة السائدة في أغلب مؤسسات القطاع العام حيث يتكدس في إطارها عدد كبير من العاملين بنحو يفوق الحاجة الفعلية للعمل مما يسبب وجود عمالة زائدة أو فائضة لا تنتج شيئا، على وجه التقريب. نحن نقرّ أن الدولة لا تستطيع أن تستوعب خريجي الجامعات العراقية أو توفر لهم فرص العمل، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تضع حلولا جذرية للبطالة تخفضها أو تحدّ منها مما جعل القضية تتسع من إشكالية إلى ظاهرة فأزمة وصولا إلى إمكانية توصيفها بالكارثة، التي تتطلب وضع خطة مكافحة. في العام 2016 أصدرت حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أمرا ديوانيا تشكلت بموجبه لجنة عُليا برئاسة الأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتضم في عضويتها ممثلين عن (18) جهة معنية من القطاع العام والقطاع الخاص، وتمخض عن هذه اللجنة عقد مؤتمر خرج بهذه التوصيات: ضرورة وجود فلسفة واضحة للتنمية، إنشاء صناديق الإقراض التنموي لكل المجالات، اعتماد سياسة بناء مدن شبابية في المناطق الريفية، دعم مشروعات الجمعيات الإنتاجية والزراعية والصناعية والخدمية، الاهتمام بالاستثمارين الحكومي والخاص في قطاع الإسكان، واستقطاب رؤوس الأموال، والخبرات الوطنية المغتربة. ولكن ولاية العبادي انتهت وجاءت ولاية عادل عبدالمهدي وكارثة البطالة تتفاقم ووضعت قرارات اللجنة على الرفوف العالية، لأن أي جدية في وضع حلول ليست متوفرة، مما حدا بوكالة USAID الأميركية أن تعرب عن قلقها، في تقريرها الخاص حول الباحثين عن أعمال في العراق. إن خرق البطالة يتسع على الراقع بسبب الفساد والمحاصصة واستحواذ الأحزاب والميليشيات المنفلتة على مقدرات البلد الاقتصادية، والحل الجذري يكمن في عملية سياسية جديدة لا موطئ للفاسدين فيها، وهذا ما لا ترضاه حيتان الفساد خوفا على كروشها.
مشاركة :