حين التقيت الصديق الإعلامي والمذيع في قناة الرسالة إبراهيم السلمي الذي كنت قد زاملته في نفس القناة لسنوات، وأنا أقدم برامجاً يومياً قصيراً بعنوان: فكرة، وهو يقدم برنامجه الشهير "كتبوا لنا" يستعرض فيه كتاباً، ملخصاً وشارحاً محتواه، إلى جانب برنامجه الأسبوعي "واحة الكتب" الذي كان قد استضافني فيه عدة مرات، عجبني حقيقة فكرة وجود شخص باحث في شؤون القراءة، والقراءة تستحق بحق من يتسنم زمام البحث في شؤونها إذا ما عرفنا أن شعوبنا العربية وصمت بكونها "شعوباً لا تقرأ رغم أنها أمة اقرأ" فأين المشكلة إذن، هو تساؤل يستحق مزيداً من البحث والاهتمام، وسوف تجد القراءة عناية من الباحثين في شؤونها من عدة نواح، أولاً: نوعية القراء، ويمكن أن يتم تصنيفهم إلى عدة أصناف، مثلاً: قراء متعمقون، وقراء سطحيون، ثم نوعية القراءة ذاتها والميول القرائي لدى القراء، وهذا الجانب يطول الحديث فيه، فحين كنت أعمل ضمن لجان معرض الرياض الدولي للكتاب، وجدت العجب العجاب في هذا الجانب، فقد كانت كتب الطبخ في ذلك الوقت ـ أقصد قبل عقد من الزمان ـ تتصدر مبيعات الكتب، ثم تليها الكتب الدينية، ثم تأتي الكتب النخبوية حسب الميولات والرغبات مثل: قراء الرواية، أو قراء الفلسفة مثلاً، أو القراء الذين يهتمون بالقضايا الأيديولوجية، أو من يهتم بالسياسة أو التاريخ أو تخصصات بعينها. اليوم المسألة توسعت جداً، واتسع الخرق على الراقع كما يقال في المثل، حيث مع وجود السوشل ميديا أصبحت الاهتمامات أكثر "تفاهة" وكلما كان المحتوى أكثر تفاهة كان قادراً على تحقيق عدد أكبر من المشاهدات، ومع ذلك فلا يمكن الرهان على المحتوى التافهة ذاته في تحقيق مشاهدات أكبر، لكون المسألة ـ هنا ـ ترتبط بالحظ. الموضوع يطول، ونحن فعلاً بحاجة ماسة إلى متخصصين في دراسة مثل هذه الظواهر عموماً، التي يدرسها الغرب بعمق بناء على مجتمعاتهم، لكن نحن بحاجة باحثين قادرين على دراستها من خلال تعاطي مجتمعاتنا معها، إلى جانب دور السسيولوجيا، علماء الاجتماع المغيبين تقريباً عن المشهد وكأنهم ليس لهم وجود، أين دور مثل هؤلاء الباحثين في التعاون مع الباحثين في الشؤون الإعلامية، وشؤون القراءة ليمثلوا منظومة متكاملة في تقديم دراسات بينية، والخروج بنتائج هي بلا شك قادرة على إفادة المخططين الاستراتيجيين في بلادنا، وفي المجتمعات العربية عموماً.
مشاركة :