حصول وزير الخارجية د. الشيخ أحمد الناصر الأسبوع الماضي على ثقة البرلمان للاستمرار بمنصبه، وإن كان بتصويت حرج لم يراع فيه النواب ضحالة الاستجواب ولا رصانة ردود الوزير، كان مقدمة لحدث تالٍ كبير تمثل في استقالة وزيرَي الدفاع والداخلية المشفوعة ببيان تاريخي يقران فيه بعدم تمكنهما من إكمال مسيرة الإصلاح التي قبلا دخول وزارتيهما لأجلها، وذلك إقرار مثير من وزيرين من الأسرة بلغ بهما اليأس بالإصلاح مبلغ مغادرة مراكزهما الرفيعة، لأن "الخرق اتسع على الراقع"، كما قالت العرب. الاستقالة والبيان جاءا من رجلين شجاعين سجَّلا سابقة لن تُنسى في العمل السياسي الوزاري، ولا يشبهها سوى الاستقالة الأشهر للشيخ د. محمد صباح السالم كوزير للخارجية في أكتوبر ٢٠١١ إبان أزمة التحويلات المشؤومة. البيان أكد أنه "في ظل الأوضاع السياسية الحالية، وأمام جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق الوزيرين، هناك استحالة للعمل وتحقيق الإصلاحات التي يستحقها الشعب الكويتي، لاسيما بعد أن بات الجو العام مليئاً بالمشاحنات بين المجلس والحكومة، واضطراب المشهد السياسي العام". مشهد الاستقالة يعتبر درساً بجرأة القرار وعدم التمسك بالمناصب عند تلاشي إمكانيات الإنجاز، بسبب سوء بيئة العمل، وهو قرار يقدم عليه عادة من يشرّفون الكراسي لا من تشرّفهم. السؤال: لماذا لم يكن ذلك هو موقف الحكومة بكاملها؟ وهل بقية الوزراء لم يستشعروا ما جاء في البيان من محاذير؟ وخصوصاً بعد استجوابين لا يرقيان لطلب نزع الثقة، لكنهما حازا أعداداً كبيرة من الأصوات المؤيدة لحجبها، إما استهدافاً شخصياً، أو اصطفافاً بين الكتل النيابية، أو استجابة لأهواء الشارع، بصرف النظر عن وجاهة ردود الوزيرين وسلامة موقفهما. ستبقى هذه الاستقالة الشجاعة علامة بارزة بمسيرة الحياة السياسية في الكويت، وبالرغم من خسارة وزيرين متميزين في التشكيل الحكومي الحالي، فوزير الدفاع الشيخ حمد جابر العلي استقال من مناصبه بعد تأكيد الثقة به برلمانياً وبالتفاف شعبي كبير لأدائه المتميز بجلسة الاستجواب، ووزير الداخلية الشيخ أحمد منصور الأحمد معهود عنه الاستقامة والسعي للإصلاح، ولم يتم استجوابه، لكنه استقال تعبيراً عن موقف مبدئي، فأصبحت الاستقالة والبيان نموذجاً للتعاطي الواعي مع المسؤوليات والأحداث العامة الكبيرة. نقول للوزيرين: رغم خسارة الكويت لكما بمواقعكما المهمة، فإن استقالتكما قرعت الجرس بقوة، وقَدَر الكبار أن يكونوا كباراً بوجودهم أو برحيلهم، ونأمل عودتكما القريبة بعد زوال الأسباب. *** تغريدة: كل عام وكويتنا بعز وفرح دائم بأعيادها، ذلك الفرح المترنح من ضرب أعدائه مع الأسف.
مشاركة :