تابع مئات الملايين من مشجعي كرة القدم حول العالم فضيحة الفساد التي شهدها الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، الجهاز الذي يدير هذه اللعبة على مستوى العالم. خلال الأعوام الخمسة الماضية أجرت حكومات الولايات المتحدة، سويسرا، البرازيل، كولومبيا، وكوستاريكا وغيرها تحقيقات في هذا الصدد وتم بالفعل توجيه اتهامات لتنفيذيين ومسؤولين من منظمات وشركات إقليمية ووطنية في الأمريكتين وبلدان أخرى. وتتضمن التهم دعاوى رشا وتواطؤ في منح عقود عالية القيمة واختيار البلدان المضيفة لكأس العالم. وعادة ما تختلف كل فضيحة ومنظمة عن غيرها. لكن لهذه الحالة مواصفات نجدها في جميع أنحاء العالم، كالفساد بين شبكات مستترة من المسؤولين والتنفيذيين المتواطئين في منظمات دولية ووطنية. وتشير فضيحة "فيفا" إلى أن المساءلة تحدث في نهاية المطاف، وإن تأخرت، كما يتضح من بعض الإجراءات القضائية المتخذة. ومن قبيل ذلك أيضا القضية الجارية بشأن غسل الأموال المعروفة باسم car wash المتورطة فيها شركة النفط الوطنية البرازيلية بتروبراس، حيث أدان القضاء البرازيلي عديدا من الشخصيات وأصدر أحكاما ضدها على خلفية عقود مبالغ في قيمتها منحت للشركات في مقابل رشا لمسؤولين تنفيذيين سابقين ومساهمات حزبية غير مشروعة من شركات بناء نافذة. وظهرت أيضا دعاوى رشوة للحصول على عقود من شركات في إيطاليا، كوريا، والسويد. وهناك بلدان أخرى في المنطقة تشهد بدورها فضائح عالية المستوى، بما في ذلك الأرجنتين، شيلي، غواتيمالا، والمكسيك، وبعضها يتخذ إجراءات لمواجهتها. وبخلاف أي فضيحة معينة، وردود الأفعال المتفاوتة، فإن تحدي الفساد جسيم. وتشير التقديرات إلى أن الرشوة في أنحاء العالم تراوح في حدود تريليون دولار إلى بلوغ التدفقات المالية التراكمية غير المشروعة من بلدان أمريكا اللاتينية على مدار العقد الماضي المستوى نفسه تقريبا. في إطار مشروع بحثي بدأته في أواخر التسعينيات مع آرت كراي من البنك الدولي، عرفنا الحوكمة بأنها التقاليد والمؤسسات التي تحدد كيفية ممارسة السلطة "راجع مقال تأثير الحوكمة: من القياس إلى التطبيق". وهي تشمل: 1- كيفية اختيار الحكومات ومساءلتها ومراقبتها وتغييرها؛ 2 - قدرة الحكومات على إدارة الموارد بكفاءة وصياغة السياسات واللوائح السليمة وتنفيذها وفرض تطبيقها؛ 3 - احترام المؤسسات التي تحكم التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية. ولكل من هذه المجالات الثلاثة أنشأنا مقياسين تجريبيين، ليكون المجموع ستة مؤشرات عالمية للحوكمة WGIs، باستخدام بيانات من 12 منظمة. ونقوم سنويا بتقييم أكثر من 200 بلد فيما يتعلق بالصوت والمساءلة، والاستقرار السياسي وغياب العنف، وفعالية الحكومة، والجودة التنظيمية، وسيادة القانون، والسيطرة على الفساد. والفساد واحد من مقاييس عدة للحوكمة الأوسع نطاقا لأنه ينبع من أوجه الضعف في أبعاد أخرى للحوكمة. وعادة ما يعرف الفساد من حيث استغلال المسؤولين الحكوميين لمناصبهم العامة لتحقيق كسب خاص. لكن نطاق الفساد أوسع من ذلك. فهو أحد الأعراض المكلفة لفشل المؤسسات، وغالبا ما تتورط فيه شبكة من الساسة والمنظمات والشركات وأفراد القطاع الخاص تتواطأ جميعا لجني منفعة تتحقق من استخدام السلطة والوصول إلى الموارد العامة والتحكم في صنع السياسات على حساب الصالح العام. وكثير من البلدان الصناعية وذات الدخل المتوسط والديمقراطية حول العالم، بما في ذلك بلدان في أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية، مصابة بفساد النظام السياسي، ولا سيما المصاحب لتمويل الحملات الانتخابية والمرتبط بما يسمى "استحواذ النخبة أو الاستحواذ على الدولة — كالتأثير غير المبرر في القوانين والقواعد التنظيمية والسياسات من جانب شركات منتفعة ذات نفوذ. وفي هذا السياق من الاستحواذ على الدولة والفساد القانوني. يجدر النظر في رؤية بديلة للفساد -"تخصيص السياسة العامة". كان أداء أمريكا اللاتينية متباينا فيما يخص الحوكمة على مدار خمسة عشر عاما الماضية. فعلى الجانب الإيجابي، نجد أنها أفلتت من كثير من الصراعات الكبرى وأعمال الإرهاب التي ابتلي بها كثير من بلدان المنطقة. ولا تزال الديمقراطية تتبلور، رغم حدوث بضع انتكاسات كالتي شهدتها هندوراس وفنزويلا. وفي عدد من البلدان، ومنها شيلي، كولومبيا، المكسيك، وبيرو، حدث تقدم في عدد من أهم جوانب الحوكمة الاقتصادية، ولا سيما من حيث تحسن الإدارة الاقتصادية الكلية، وإبعاد أشباح التضخم السابقة، وتمهيد السبيل لضبط أوضاع المالية العامة، وإبداء مزيد من الشفافية في الموازنات والمشتريات العامة - بدعم من وزارات المالية والبنوك المركزية ذات الكفاءة.
مشاركة :