نبدأ من حيث آلت إليه الأحداث في عدن خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية، الأحداث التي وضعت «الرياض» ليل الـ11 آب (أغسطس) 2019 في مكانها الطبيعي كـ «صانع للقرار العربي والإسلامي». كيف لا واستراتيجية «الرياض» المفوضة دولياً بقيادة قوات التحالف العربي هي من أخّرت الحسم لدواعٍ «إنسانية» صرفة لا جدال فيها، دواعٍ جمعت العالم احتراماً وتقديراً حول عاصمة القرار العربي والإسلامي وكلمتها الفصل في الشأن اليمني، اليمن الذي استباحت ساحته في الشمال ميليشيات تأتمر مباشرة من طهران، وأخرى في الجنوب تتعجل «الانفصال» متى أوقدت نار «الفتنة» باستعجالها تقرير مصيرها فلن تخدم في الوقت الراهن سوى أجندة إيران وتركيا و«نظام الحمدين» ومطيتهم «الإخوان» هنا وهناك. لذا، فلا غرابة أن تكون كلمة «الفصل» عملاً لا قولا فقط في المملكة العربية السعودية وعاصمتها عاصمة السلام (الرياض)، تقديرا لحكمة قادتها الذين أبدوا «رباطة جأش» لحرب قاربت الخمسة أعوام كان بالإمكان حسمها تماما في خمسة أشهر لو رضيت الرياض بتدمير اليمن أرضاً وإنسانا، بل على النقيض من ذلك تماما؛ ومنذ الـ25 من آذار (مارس) 2015 تم مد يد العون في البناء والتنمية والتعليم ووحدة الصف في الداخل اليمني، إلى جانب تقليمها لأظافر «أنصار الشيطان» يوما بعد آخر، في استراتيجية إنسانية سيسجل التاريخ رقيها بمداد من ذهب، استراتيجية حكيمة قلما وجدت لها مثيلا في استراتيجيات الحروب الحديثة. اليمن وإن كان عملياً «من أقصاه إلى أدناه» تحت سيطرة قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، إلا أن «الرياض» التي ما فتئت تقدم «حماية للمدنيين» كأهم أولوياتها وعدم الانسياق خلف رغبة إيران ووكيلها «العبثي» في إحراق اليمن من شماله إلى جنوبه! تسارعت الأحداث في عدن «ليلة عيد الأضحى المبارك ١٤٤٠، مخلفة خلفها «فتنة» لم ولن تفيد في توقيتها وشكلها ومضمونها سوى الأطراف التي ترغب في إحراق اليمن عن بكرة أبيه، لتكون ساعة «الصفر» الواحدة ليلاً بحسب توقيت ورغبة «الرياض» في إيقاف إراقة الدماء وعودة جميع الأطراف إلى سابق حالها حتى تكتمل أهداف قوات التحالف في اليمن من شماله إلى جنوبه، وما هي الا «سويعات» قبيل ساعة الصفر حتى أبلغ التحالف المجلس الانتقالي بالمطالب المحددة الصريحة الواضحة وهي: 1- إعلان وقف إطلاق النار. 2-عودة كافة المكونات والتشكيلات العسكرية من الانتقالي وقوات الحزام الأمني فورا لمواقعها والانسحاب من المواقع التي استولت عليها خلال الأيام الماضية، وعدم المساس بالممتلكات العامة والخاصة. 3- القدوم للمملكة من أجل الحوار وحل الخلاف. وبالفعل أعلنت ما سمي بـ «قوات المجلس الانتقالي» بعد انتهاء المهلة تماما، استجابتها لبيان تحالف دعم الشرعية في اليمن، وترحيبه بدعوة المملكة العربية السعودية للحوار وجاهزيته له، إذ أكد نزار هيثم المتحدث الرسمي لـ «المجلس» في بيان مقتضب نشره الموقع الرسمي للمجلس، أن الأخير «يرحب بدعوة الأشقاء في المملكة العربية السعودية للحوار وجاهزيته له»، وهذا ولا ريب أمر يحسب للطرف الذي أعلن تفوقه على الأرض، إلا أنه رضخ لرغبة «أهل الحكمة» في إنهاء الصراع الدامي والجلوس إلى طاولة التفاوض، لاسيما أن «بوصلة العدو» تتجه شمالاً بينما الفتنة تنخر في الجنوب. إلى ذلك يحسب لقادة التحالف تدخلهم في الوقت المناسب، ليؤكدوا على لسان نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز أن «المجتمع الدولي اليوم على مواقفهم الرافضة دوماً تجاه ما يحدث في العاصمة المؤقتة عدن، والمملكة لن تقبل إشعال فتنة جديدة هي بمثابة إعلان حرب على الشعب اليمني الشقيق الذي عانى طويلا من هذه الأزمة». وفي بادرة لا تحيد عن وحدة «المصير» كان صوت العقل آتياً من أبوظبي «الحليف» و«العضيد» للتحالف وعلى رأسه المملكة العربية السعودية ليشدد وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد على ضرورة تركيز جهود جميع الأطراف على الجبهة الأساسية ومواجهة ميليشيات الحوثي الانقلابية والجماعات الإرهابية الأخرى والقضاء عليها، داعيا إلى حوار مسؤول وجاد من أجل إنهاء الخلافات والعمل على وحدة الصف في هذه المرحلة الدقيقة والحفاظ على الأمن والاستقرار، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء الإمارتية. ليضع العالم عبر قوات التحالف الكرة في ملعب أطراف الصراع لتقديم الشرعية وإبقاء اليمن «الموحد» حتى يتم القضاء على مشروع إيران ووكيلها العبثي الحوثي، ومن ثم يقرر اليمنيون أنفسهم مصير وحدتهم من عدمها.
مشاركة :