هنا الرياض.. هنا القرار

  • 10/25/2022
  • 20:26
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

ما إن أصدرت منظمة أوبك بلس قرارها بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل بترول يوميا للحفاظ على توازن سوق الطاقة حتى سادت حالة من التذمر لدى الإدارة الأمريكية، وجدير بنا أن نتساءل ما هي قصة هذه الزوبعة؟‏اتهامات وتهديدات فارغة‏تصدر اتهام أمريكا لمنظمة أوبك بلس وتحديدا المملكة بالانحياز لمصالح موسكو الواجهة ودون استحقاق، وأفردت له بعض كبريات الصحف الأمريكية المانشيتات، تبريرات واتهامات لم ينزل الله بها من سلطان من أن المملكة مارست ضغوطا على أعضاء المنظمة، وأن هذا سيزيد سعر البترول وينمي إيرادات روسيا ويخفف أثر العقوبات الغربية ويدعم آلة الحرب في أوكرانيا، وبناء عليه فهذا القرار سياسي وليس اقتصاديا.‏وتسارعت الأنباء العدائية، منها أن البعض في مجلس الشيوخ يفكر في سن تشريعات لتثبيت سعر البترول والوقف الفوري لمبيعات الأسلحة للمملكة وهم موقنون بعلو كعبهم في مضمار القانون والدفاع، ولعلهم غفلوا عن أن الارتدادات المعاكسة ستصب في محورهم، فعلاقات المملكة وتنوعها وقوتها الاقتصادية تمكنها بسهولة جدا من تجاوز هذا التحرك، بينما تأثر الاقتصاد الأمريكي سيكون أكبر بكثير لغياب مستورد منافس للمملكة ناهينا عن التأثير المضاعف بسبب الوضع الاقتصادي لحلفائه.. مثلا هل اقتصادات بريطانيا وفرنسا تتحمل وقف توريد الأسلحة؟!‏وفي هذه الأجواء يحق لنا التساؤل هل القرار اقتصادي أو سياسي؟‏أولا: نهج المملكة واضح في تأكيد الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - على «دعم استقرار وتوازن أسواق النفط العالمية».ثانيا: القرار تم بالإجماع في منظمة أوبك بلس، 23 دولة التي أكدت تأييدها القاطع وهو مبني على المؤشرات الاقتصادية توقع انخفاض الطلب وضعف الاقتصاد الغربي.ثالثا: القرار صحيح تماما، والدليل الدامغ انخفاض الأسعار، ولا بأس من سؤال عابر ماذا عن بيع أمريكا الغاز بأربعة أضعاف ثمنه لحليفها الفرنسي؟!‏وفي المقابل دعوة إلادارة الأمريكية لتأجيل القرار شهرا واحدا تحمل شبهة محاولة التأثير في نتائج الانتخابات وهذا يخالف القانون الأمريكي.. فمن هو الأجدر بالاتهام بتسييس القرار.. يا ترى؟‏الحقيقة الساطعة أن المملكة ودول أوبك بلس أعطت الأولوية لمصالحها الاقتصادية.والمملكة وإذ تحرص على متانة علاقاتها مع كل الدول الصديقة إلا أنها وعلى التوازي تؤكد رفضها القاطع لأي إملاءات تخص قراراتها السيادية الهادفة لاستقرار أسواق الطاقة وحماية الاقتصاد العالمي.‏المراهقة السياسية والحكمة‏ما إن أعلنت أوبك بلس قرار خفض إنتاج النفط حتى بدأ وعيد الإدارة الأمريكية للمملكة وحدها بالرغم من أنها عضو واحد ضمن مجموعة والقرار بالإجماع، وعلى التأكيد بحدوث «عواقب» كإعادة النظر في الاتفاقيات والاستثمارات الثنائية.‏وهذا كله قوبل بحكمة الدبلوماسية السعودية كقول وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير «فالسعودية لا تسيس النفط، أو القرارات المتعلقة به» والعلاقة الأمريكية السعودية «بعيدة جدا» عن الانهيار وهي «قوية جدا».‏وهنا يبرز تساؤل محير فمن المعلوم حرص البيت الأبيض على مكانة أمريكا في الشرق الأوسط وتحجيم نفوذ الصين وروسيا وهي أهم أهداف زيارة بايدن في صيف 2022، فهل تتفق هذه التحركات العدائية واللامنطقية مع الأجندة الأمريكية أم هي مراهقة سياسية؟مفارقات المشهد الأمريكي‏يحرص الحزب الديمقراطي على الحفاظ على الأغلبية في مجلس الشيوخ والكونجرس في انتخابات التجديد النصفي، بينما ترزح البلاد بسببه تحت ضغط الوضع الاقتصادي الهش كالتضخم الجامح وارتفاع أسعار الوقود.. فهل هذا أمر عادي!‏والمفارقة العجيبة أن الرئيس الأمريكي يحمل راية الطاقة النظيفة ويطالب بتسريع الوتيرة لمواجهة التلوث الناجم من حرق النفط والفحم والغاز والذي على حد قوله في قمة المناخ عام 2021 يمثل تهديدا وجوديا للعالم، وهو نفسه شخصيا يطالب أوبك بلس بعدم خفض إنتاج النفط في 2022.. أو ليست هذه طرفة فاخرة؟‏تاريخ وفكر‏عمود التاريخ ذو قوة كامنة وبالرغم من أن خطأ الإدارة الأمريكية سيعود عليها بضرر مستدام إلا أن هذا الخلاف لن يتعدى كونه كسرا شعريا يمكن إصلاحه، فالعلاقات التاريخية متجذرة راسخة منذ 1930م.‏وعلى الضفة المقابلة المملكة فرضت نفسها كلاعب أساسي في أسواق الطاقة العالمية ولن يستطيع عاقل تجاهل هذا الواقع طويلا، والنهج الاستعلائي الهلامي في عالم القطب الواحد القديم والذي كانت تتبعه الولايات المتحدة غدا خارج متغيرات الواقع الجيوسياسي الحديث، وإذا كانت السياسة فن الممكن إذن فالحزب الديمقراطي عليه أن يعكس مسار أجندته المتطرفة في الطاقة ليعود إلى الاتجاه الصحيح؛ فالسعودية ليست هي تلك التي كان يعرفها بالأمس.. اليوم هي تحمل وعن جدارة لقب السعودية العظمى.المملكة اليوم شعارها لا للإملاءات‏الاتهام بالانحياز ليس واقعيا وليس ثمة اصطفافات.. فمبادرات ولي العهد الأمير محمد - حفظه الله - وجهوده لتخفيف التوترات وإيجاد حلول دبلوماسية منذ بداية الأزمة الأوكرانية واضحة للعيان، ومنها إطلاق الأسرى وتقديم المساعدات الإنسانية مرارا وآخرها مساعدات إنسانية قيمتها 400 مليون دولار، وهي ترسخ دأب الرياض دائما على إنهاء الحرب وطلب السلام، وبيان المملكة عن التعاون مع الصين في مجال الطاقة لا يشير إلى أي تغيير في سياستها، بل إنه للتذكير بأنها تمتلك الكثير من العلاقات المهمة، وهو خطاب موجه لواشنطن ومؤطر بالسيادة والسياسة النفطية السعودية فلا مكان للإملاءات مطلقا، قرار الرياض يولد في الرياض حكما وحصرا.أمريكا بروباغاندا الأوهام‏الأرقام تشير إلى أن التخفيض الفعلي هو 890 ألف برميل في اليوم فقط، لأن مستوى إنتاج معظم الدول أقل من حصصها المقررة وتأثير الخفض في حجم الإمدادات العالمية لا يتعدى 1% فقط، وجدير بالذكر أن الولايات المتحدة هي أكبر منتج للنفط في العالم منذ 2018 وحتى اليوم، أفلا يمكنها إعادة مستوى العرض.. ببساطة؟‏تسويق الوهم بالتهم ليس استراتيجية ناجعة؛ فالحقيقة 5% والـ95% مجرد وهم!‏عند هذا التناقض يتساءل المرء: هل تحاول أمريكا ضغط سوق البترول في «كبسولة لقاح جديد» من إنتاج مصانعها الدوائية؟!‏حبذا للبعض في الإدارة الأمريكية إجراء التحديث الأخير، فمن المهم أن يشاهدوا على الطبيعة جبل طويق.. قولوا لهم هؤلاء هم السعوديون.. وهذه هي همتهم!@RimaRabah

مشاركة :