عباس بيضون «زوربا» الشعر اليوم لك ما تريد!!!

  • 8/31/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

جنية آدم نص جنية آدم شرعت في قراءته المرة الاولى لم أستطع أن أكمله لفرط هذا الكم الهائل من الألم يلتف بروحي إلي ويشهقني.. ليس لي قدرة أن أتخيل ما مر به وهو يصيغ من دمه هذا النص.. أتساءل كيف يستطيع أن يكتب هكذا نص ويبقى يتنفس؟؟ وأنا التي أعدت قراءة النص بعد حين وكانت أنفانسي تتشابك ملدوغة متشرذمة ومتشابكة لا مخرج لها يلفظها صدري فيبطق بها على شراييني وأحتبس صرختي أخشاها.. اختلطت بي كل المشاعر.. تركت النص مرة أخرى خشيت أن ينتقل نزفه إلي خشيت أن ينزفني!جنية آدم تحول تصاعدي حاد التورم منبثق من عمق وجدانه. نص تتوالى فيها الصور وتتراص أمامك حتى تجد نفسك كأنك في ملحمة أسطورية تحمل نزفاً كونياً مريراً كأنها المعركة الأكبر يخوضها بضراوة وشجاعة فيخرج من جسده متجردا من لحمه.. ينظر حوله متأملا كل هذا الفقد والخذلان مثقلا بثقوب أفرغها فيه هذا الكون اللامتوازن.. جنية آدم هو العبور الذي أراده فتفرد به وهلك به إلى حد ما ثم ما لبث أن خرج منه به جاعلا كلماته قمح للموتى!! «اسمي مخطوط بعظام صغيرة /‏ اسمي مع شيء من لحم الموتى /‏ خارجاً من الكهف مع ثقب في الوسط /‏ أحاول أن أدسّ فيه /‏ حذائي الضخم وخرقتي /‏ أن أرمي سمكة في عينيه أجرّ ورائي معطفي ذا الجيوب الكبيرة»امتزاح الاسم بلحم الموتى توثيق دقيق الى حد إخراجه كإنسان من جسده حوله إلى رجل متهالك يدس حذائه في ثقب فيلتف حذائه به ثقيلا يجره فيجتره ويتركه جيوبا مثقوبة.. يرى ظله مقطعاً على أرض شرفة وسط طريق سقط فيه الأبرياء... صور تعكس عمق الألم المصقول به إليه، كأنه تجذر فيه ليلتف ويصبح بصورة حبل يخيط به صورته!! فأراد له إعادة تشكيل الذات لعله يخرج لتكون عليه أقسى ما يمكن أن تكون.. حاول أن يستدير على ما بدواخله فحدثت كل تلك الانفجارات وكانت الأكثر ضراوة.. طريق مسنن تصطك فيه الاسنان لتصل من صدغ رأسه الى كلماته.. لا قدرة لك فيه على ردع أي تمدد فقد أبيد كل شيء ولم يبق سوى نقطة أخيرة على هذا السطر.كل الضمادات باتت هنا لا تنفع.. محشور متروك ينزف غير مرئي وسط حفره.. يحاول الخروج تاركا أحذية وخردة وأرواحا فاسدة.. فيستجدي ملاكا كي يصلح أرواحا ملأها الكذب وسقاها دم شيطاني.. «قطعة حبل /‏ وحدها التي بقيت لي من بيتي /‏ قطعة حبل وعملة معدنيةوعلبة كونسروة وإبرة بخيط /‏ صورتي، قبل أن أرميها /‏ مدمىً ومغطىً بالضماداتهكذا استدرتُ عن المعركة /‏ استدرتُ عنها أيضاً /‏ حين ضمّدتُ حذائي، قطّعتُ هويتيظلّي مقطّعاً أيضاً في أرض الفنجان /‏ المقطع على أرض الشرفة /‏ أضفت إلى ذلك سلسلة الأموات /‏ التي تمددت في سطر غير منقّط /‏ من الأبرياء الذين سقطوا عنها في الطريق /‏ انفجارات حنين وقلوب مكويّة /‏ وأسنان كبيرة تحت الكلمات /‏ ماذا تفعل؟ /‏ إذا لم يعد في الشارع سوى هذه الممسحة /‏ إذا لم يعد سواها /‏ نقطة على هذا السطرلا يعود مرئياً غير هذه الحفرة /‏ وعليك أن تلقي فيها الضمادات /‏ الملموسة من آخر معركة /‏ والأحذية المتروكة على الصحراء /‏ عليك أن تضيف ملاكاً /‏ إلى الخردة الباقيةأن تدسّ فيها أرزاراً وأسلاكاً /‏ وأرواحاً فاسدة /‏ أن تعيد صناعتها بالكذب الصافي /‏ بالريح الكاملة، /‏ بدم الشيطان».(لعله العبور) يستجدي ملاكا مجنحا يقف وسط الساعة ليس له ظل هي المواجهة الأخيرة ينزع بها إسمه المضمد ويفرغ جيوبه حتى رأسه تاركا إرث الماضي وهوية لا جدوى منها! «إذ عليك أن ترتفع بجناحيك /‏ أن تقف تحت الساعة /‏ وقدرك بين حاجبيك /‏ لن تكون هارباً /‏ إذ نزعت /‏ اسمك المضمّد /‏ من جيوبك الكبيرة /‏ إذا نزعت عن رأسك /‏ القبعة التي كانت هويتك في يوم /‏ إذا رميت في الحفرة عباءة جدّك /‏ المسألة كلها /‏ الأسماء التي نسيتها /‏ وأحذية الهاربين الباقية /‏ من آخر المعارك /‏ الأسماء التي نسيتها /‏ الأسماء المقطوعة الرأس /‏ والهويّات المقدّمة كأطباق /‏ وآخر شاهد على نشأتي /‏ في القلاع وبين الحيوانات الضارية /‏ وأصحاب اللحى النادمين /‏ وأهل التوبة /‏ وكل من يوزن بالتراب أو الدم».حارب بروح كل المجاهدين رجل لا يخشى الشهادة! خشيت من امتداد حربه ان تتسلل بي فاخفيت الورق في درج آخر وأقفلته إلى حين.. مرهق هذا الكم الهائل من الشحن ومؤلم هذا النزف لا يباغتك بل يبتلعك اليه كأنه أداة سحب قوتها ذبذبات تجر الكون أجمع جذبها يرشح بك من أسفل الى أعلى! كأنك سقوط عكسي ليس تراتبيا ولكنه ينشق إليك عبر الثنايا ارتفاعيا لتجدك أنت لست أنت وتدرك حينها فقط أنه هو لم يعد هو! وأننا كلنا لم نعد نحن المسألة كلها وقت ولا أحد يوجد اليوم دون أمس وأن ارتداد الارض هو إسقاط سمائي بحت!«الآن نعرف أن كل ذلك حدث في غيابنا /‏ الذي ترك بقعاً في كل مكان /‏ ترك تواريخ وحطاماً وأساطير أيضاً /‏ لا أحد الآن إلا من لا أحد الأمس /‏ ولن يكون غداً سوى لا أحد /‏ الشهداء يختفون أولاً /‏ إنهم يصدرون عن الأب الكبير /‏ الذي لا يورث ولا يلد ولا يتكلم /‏ هذا الناغر الذي يشعر باستمرار /‏ أننا نرمي فيه سمكة /‏ أو نصعد إليه /‏ على كتف ملاك /‏ ازرع في هذا الغيب بذرة /‏ أيّ كلمة وأيّ سطر /‏ أنت في جنينة آدم /‏ وستكون هذه هويتك /‏ أمام الفراغ /‏ ستكون جثمانك أيضاً /‏ الكلاب أيضاً بلا سرير /‏ والبيوت ليست قمصاناً /‏ والكلمات قمح الموتى».إلهامك إلهي صديقي.. إلهام يسبق عباس إليه,مغروس مجبول بأصل تكوينه الجيني وليس مرهونا بالولادة.. قصائد تسبر أغوارك بأفكار ثرية الإيحاءات، توثق تدفقاً إنسانياً مكتمل التمازج بين الحالة التعبيرية والصورة، يصيبك حد الدهشة دون أن يجفل! متمكن من حرفه، يفيض بكل مكنوناته ثم ينفذ منه اليك فيجعلك تعيد القراءة مرة أخرى كي تتضح الرؤية..عباس بيضون حباه الله بقدرة إبداعية خلاقة ممسك بإحكام بكل أدواته، أجزل في عباراته، تفرد في مواجهته الحياة بوعي أكبر واعتناق أقوى.. هو يحيا بكل بساطة كي ينتصر.. لطالما انتظرنا شاعرا تتمدد لغته في شرايننا... لا يداعب الورق فقط بل ينتفض به وعليه كي يتنفس.. يتألم.. يتمرد.. يملأنا تمعنا يتربص بك طويلا يضعك أمام كل أقفالك يجبرك ان تأكل كلماته بأسنانك.. عباس بيضون زوربا الشعر اليوم لك ما تريد!!!

مشاركة :