كنت أظن أن رحيل السيناتور الجمهوري «بول فندلي» في التاسع من أغسطس الماضي، سوف يحظى باهتمام عربي أبعد مدى من نشر خبر الرحيل في الصحف، لكي يعوض ضعف هذا الاهتمام وربما غيابه عن إبرازه للدور المهم الذي لعبه في الولايات المتحدة الأمريكية.دفاعاً عن قضايا العرب والمسلمين على امتداد نحو 70 عاماً (ولد عام 1921). وقبل سبعة وثلاثين عاماً أصدر فندلي كتابه الجسور «من يجرؤ على الكلام» الذي كشف فيه من موقعه كعضو في الكونغرس عن الحزب الجمهوري في الفترة من عام 1960 وحتى 1982، أن السياسة الخارجية الأمريكية بشأن الشرق الأوسط بشكل عام والصراع العربي - الإسرائيلي على وجه الخصوص، تصنع في الكنيست الإسرائيلي. وليس في الكونغرس الأمريكي أو في البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية، وتصوغها اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤون العامة المعروفة اختصاراً باسم إيباك، وهي اللجنة التي تمكنت بأموالها ونفوذها داخل المجتمع الأمريكي، الممتد في الصحافة ووسائل الإعلام والمؤسسات البحثية وهيئات التدريس في المدارس والمعاهد والجامعات. وصناعة الأفلام ونجومها والبرامج التلفزيونية، من إسقاط فندلي في انتخابات الكونغرس بعد 22 عاماً متتالية من عضويته ممثلاً لولاية إلينوي، بسبب اعتراضه على هذا النفوذ الذي يتعارض في أحيان كثيرة مع المصالح القومية الأمريكية، ولأنه كان وفقاً لما قاله أحد أعضاء إيباك، أكثر منتقدي السياسة الإسرائيلية ظهوراً للعيان. وعن طريق التضليل وتزوير الحقائق، تمكنت إيباك من السيطرة على الكونغرس بمجلسيه، وتوجيهه الوجهة التي تريد بإرهابها لكل من يقف في طريقها والعصف به وتدميره وكان من بينهم فندلي نفسه، لأنه جرؤ على القول أن جميع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، يطيعون بلا استثناء أوامر تلك اللجنة لأن معظمهم . كما كان يؤكد «يعتبر إيباك الممثلة المباشرة للكابتول هيل - مقر الكونغرس - وذات القدرة السياسية، التي تتيح أمامهم فرص النجاح في الانتخابات، أو تقضي عليها».. وفي العام 1984 تبنت إيباك تشريعاً في الكونغرس بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، نفذته لها إدارة ترامب قبل نحو سنتين. خدم فيندلي في البحرية الأمريكية أثناء الحرب العالمية الثانية، فعرف عن قرب ويلاتها، لهذا وظف موقعه في الكونغرس خلال إحدى عشرة دورة، لدعوة بلاده للحوار لحل الأزمات الدولية، وعارض حربها في فيتنام، وساهم في إصدار تشريع يقلص صلاحيات الرئيس الأمريكي في شن الحروب. وطالب بحل عادل للقضية الفلسطينية بالحوار مع أطرافها، واعترض على السياسة العدوانية الإسرائيلية تجاه الدول العربية التي قام بزيارتها، والتي تجلت في ضرب المفاعل النووي العراقي والحرب على لبنان. بعد أن نجحت معركة إيباك في إسقاطه في الانتخابات النيابية، تفرغ فندلي وهو في الثانية والستين، للدفاع عن القضايا التي آمن بها، وظل محورها في كتبه الأربعة التي أصدرها تباعاً بعد كتابه «من يجرؤ على الكلام» الصادر عام 1983، وحتى مذكراته الصادرة 2011 بعنوان «أمريكا في خطر» يحذر من الأخطار المحدقة الناجمة عن هيمنة النفوذ الصهيوني الطاغي على مؤسسات ومراكز صنع القرار. ولعل الدهشة قد انتابت «بول فندلي» وهو يروي في كتابه من يجرؤ على الكلام أن أعضاء الكونغرس لا يسمعون في العادة غير وجهة النظر الإسرائيلية، فلم تكن هناك لوبيات عربية أمريكية، ولم تكن السفارات العربية تبدي اهتماماً كبيراً بأن يكون لها تأثير على الهيئة التشريعية، وإذا ما أراد عضو في الكونغرس الاستماع إلى وجهة النظر العربية، وجد صعوبة في العثور على متحدث عربي يشرحها له! والسؤال الذي ربما حير فندلي وغيره من الغربيين الشجعان المناصرين للقضايا العربية: لماذا فشلت الجاليات العربية والإسلامية بأمريكا في تشكيل لوبي مؤثر، رغم أن تعدادها يقترب من أربعة ملايين نسمة ولا ينقصها المال ولا الخبرة؟ وهو سؤال يبقى مشهراً حتى آخر العمر. - رئيسة تحرير جريدة الأهالي المصرية طباعةEmailفيسبوكتويترلينكدينPin InterestWhats App
مشاركة :