الكثير من الأصدقاء والمعارف في دول الجوار ومنها الخليجية والعربية يتساءلون عن مستوى التعايش في مملكة البحرين، وهل هي حقيقة أم هي بروبوغاندا إعلامية من أجل تجميل الصورة واكتساب السمعة، وللأمانة فإن كل الأدلة والبراهين التي تؤكد على درجة التعايش والتسامح لن توازي زيارة واحدة للبحرين لمشاهدة تلك الصورة الإنسانية الراقية التي تفتقدها الكثير من المجتمعات. لذلك الزائر للبحرين عنده ثلاث قضايا رئيسية يعرف من خلالها مستوى التعايش والتسامح الذي يتمتع به أي المجتمع، سواءً المواطنين أو المقيمين أو الزائرين، وتلك القضايا هي الحرية الدينية، والحقوق السياسية والمدنية، والتعايش على أرض الواقع، وكل قضية هي في حاجة إلى تفصيل لاستيعابها ومعرفة تفاعل المجتمع معها. أولاً: الحرية الدينية: وهي ممارسة الشعائر الدينية بكل حرية ودون تضييق، فالبحرين تتمتع بتعددية دينية فريدة بالمنطقة، وأتسم المجتمع بترابط نسيجه حتى أصبح مجتمعاً أكثر ترحيباً بالآخر وشعائره، وقد أكد دستور البحرين على حماية حرية الفكر والدين والمعتقد، وسنت له القوانين لحمايته كما جاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. والمتأمل في المشهد الديني بالبحرين يرى بالإضافة إلى وجود المساجد والجوامع والحسينيات بأن هنا كنائس للكاثوليك وأخرى للأرثوذكس والإنجيلية والأقباط، وكذلك هناك كنيس يهودي يعود إلى العام 1930م، ومعابد للهندوس والتي بلغ أحدهما 200 عام، وهناك معبد للسيخ والذي يعتبر الوحيد في شبه الجزيرة العربية، ودور عبادة للبهائيين والبوذا والبهرة وغيرها، ويمكن مشاهدة ذلك في المناسبات الدينية لكل طائفة، ولعل أكبر المناسبات ذكرى عاشوراء وعيد الميلاد وعيد الغفران والهولي وغيرها، والتي تقوم الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية ووزارة الصحة ووزارة الأشغال والبلديات وغيرها بتوفير كل الإمكانيات لإنجاح هذه الفعاليات السنوية، وهذا ما يؤكد عليه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة في مساحة الحرية الدينية، ومن أقواله المأثورة: (نحن في العالم العربي لا نخشى من التعددية الدينية، ولا داعي للخوف منها، بل في الواقع، نحن بحاجة إلى بعضنا البعض، ويجب أن نلتقي مع بعضنا البعض على طريق الاحترام المتبادل والمحبة، ولعلنا سنجد طريق السلام الذي نسعى إليه). ثانياً: الحقوق السياسية والمدنية من يتأمل في المجتمع البحريني يرى بأن المواطن يتمتع بكامل حقوقه السياسية والمدنية، فالفرد له الحق بالمشاركة في الحياة المدنية والسياسية دون خوف أو قمع، فله الحق في التصويت بالانتخابات، ترشحاً وانتخاباً، وفرصة المشاركة في إدارة الشؤون العامة، وله على المستوى المدني حقوق المواطنة والمساواة، وهذا ما يشعر به الفرد ويراه، فالحقوق الأساسية تضمنها القوانين بغض النظر عن العرق أو الجنسية أو اللون أو الجنس أو السن أو الدين أو حتى الحالة الصحية، وقد تبوء أتباع الديانات المناصب العليا بالدولة سواءً على المستوى التشريعي أو الدبلوماسي أو الحكومي، وهذا تأكيد على أن الجميع سواسية. ثالثاً: التعايش على أرض الواقع البحرين من آلاف السنين وهي تتمتع بهذه الأريحية حتى قبل قيام الدولة الحديثة، فالمراكز التعايشية لمختلف الأديان والمذاهب والثقافات منتشرة في البحرين، ولربما تشاهد وبشكل كبير في العاصمة (المنامة)، وقد تعززت تلك الحالة مع بداية عهد جلالة الملك المفدى ومشروعه الإصلاحي في العام 2001م، فأصبحت البحرين موطناً للتعايش ومركزاً للحضارات، وهذه الخصوصية والتنوع الديني لربما لا نراه في الكثير من الدول، فحالة التمازج والاندماج تشاهد كذلك في الكثير من المناطق مثل المحرق ومدينة عيسى ومدينة حمد وغيرها التي تتمتع بالكثير من المجالس الأهلية التي تفتح أبوابها للزائرين دون استثناء. إن التعايش في البحرين حقيقة يراها كل فرد، وما بلغت البحرين هذا المستوى إلا للقراءة الصحيحة لرسالة الأديان السماوية والبشرية التي تدعو للتعارف والتعاون والعمل المشترك، والمجتمع البحريني يحمل على عاتقه مسؤولية نشر هذه الثقافة والوعي، إذ لا يمكن قيادة العالم لفضاءات التعايش والتسامح والسلام إن لم تكن هناك منظومة من القيم والقواعد الأخلاقية والسلوكيات. أجواء التعايش في البحرين أصبحت تجربة فريدة بالمنطقة العربية، وتدعو للفخر والاعتزاز، فالكثير من المجتمعات اليوم تتمنى ولو فسحة من أمل لتعيش في سلام ومحبة وتسامح!
مشاركة :