تعهد المُرشح للسباق الرئاسي التونسي السابق لأوانه، عبدالكريم الزبيدي، بفتح ملف الجهاز السري لحركة النهضة الإسلامية، وتفكيك ألغازه في صورة فوزه بهذه الانتخابات التي انطلقت حملاتها الدعائية في داخل تونس وخارجها، واصفا في نفس الوقت النظام السياسي الراهن في تونس بأنه “هجين”، ويتعين استفتاء الشعب حوله. وقال الزبيدي في حديث لـ”العرب”، إنه “لا خلاف في أن نظامنا السياسي هجين، فلا هو برلماني، ولا هو رئاسي، هو تلفيق مرتجل بين نظامين، وقد ظهرت اليوم بالممارسة مفارقاته وثغراته، منها أن رئيس الدولة المنتخب شعبيا أقل صلاحيات من رئيس الحكومة المُعين”. لذا يُضيف الزبيدي، “لا بد من آليات دستورية لتغيير نظامنا السياسي والانتخابي الذي ظهرت فيه هو الآخر عيوب وثغرات، ولعل الإحالة على الاستفتاء الشعبي هي الآلية الدستورية الأنسب، إلى جانب إمكانية اللجوء إلى الآليات الأخرى”. ويُنظر إلى الزبيدي (69 عاما)، الذي اختار “الوفاء لتونس الوفاء للوطن”، شعارا لحملته الانتخابية في هذا الاستحقاق الرئاسي، على أنه رجل دولة بامتياز، لاسيما وأنه تولى العديد من المناصب الحكومية والحقائب الوزارية خلال السنوات الماضية، كان آخرها حقيبة وزارة الدفاع. ويخوض هذا الاستحقاق الانتخابي بصفة مستقل، لكنه يحظى بدعم عدد كبير من الأحزاب منها حركة نداء تونس وحزب آفاق تونس، وبعض النواب البرلمانيين والشخصيات السياسية والفكرية والأكاديمية، الذين شكلوا ائتلافا مساندا له أطلقوا عليه اسم “الائتلاف الوطني”. لا بد من آليات دستورية لتغيير النظام السياسي والانتخابي الذي ظهرت فيه هو الآخر عيوب وثغرات كما يحظى بتأييد شعبي لافت، خاصة وأن جزءا كبيرا من الرأي العام في البلاد يُنظر إليه على أنه خليفة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، في هذه المرحلة التي تبدو فيها مساحات هذا السباق الرئاسي ليست مرسومة على خط واحد، في ظل الحسابات والمعادلات المتشابكة التي تُحيط بمجمل المشهد السياسي في البلاد. ويبرز الزبيدي، الذي فرضته تطورات هذه المرحلة، وسط هذا المشهد بمقاربات تختلف من حيث الشكل والمضمون عن تلك التي أرست معادلاتها نتائج التوافقات السابقة، التي أحاطت بمجمل العملية السياسية خلال عهدة الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. وعكست التعهدات الخمسة، التي أعلنها الزبيدي في وقت سابق، تلك المقاربات الجديدة التي لا تخرج عن مربع تطلعات القوى الوسطية والحداثية والمدنية في البلاد، ولاسيما في علاقة ببعض الملفات الساخنة، منها العلاقة مع حركة النهضة الإسلامية، وغيرها من القضايا الجدلية الأخرى، وخاصة منها قضية “الجهاز السري”. ويقول الزبيدي، إن حركة النهضة “جزء موضوعي من المشهد السياسي والحزبي في تونس، والتعامل معها سيكون وفق الدستور والقوانين والآليات المؤسسية كغيرها من مكونات المشهد السياسي في البلاد”، مُتعهدا في نفس الوقت “من موقع رئيس الجمهورية، بفتح ألغاز ملف الجهاز السري”. وردا على سؤال بخصوص الأصوات التي تعالت لمطالبته الآن بكشف خفايا هذا الملف باعتباره وزيرا للدفاع، اعتبر الزبيدي أن ذلك “يعكس خلطا ومزايدة، لأن التحفظ من حيث الأصل واجب حتى لو غادرت كافة مؤسسات الدولة، ثم إن هذه القضية لا تتعلق بوزارة الدفاع وحدها، وإنما بوزارات ومؤسسات وسلطات وأجهزة أخرى”. وشدد في هذا السياق على أن “موقع رئيس الجمهورية هو الموقع الوحيد المُخول له أن يُحرك كل ذلك للكشف وتحكيم القانون”، لافتا في نفس الوقت إلى حرصه على المساواة بين المرشحين، ذلك أنه “لو خُضت في هذه القضية في هذا الزمن الانتخابي، أكون مُخلا بمبدأ المساواة بين المُرشحين، ومُستغلا بغير وجه أخلاقي لموقعي الوزاري في حملتي الانتخابية، حيث ينسحب هذا الخيار على الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد”. ويسعى الزبيدي بهذه الإجابات التي تقترب كثيرا من التعهدات إلى التأكيد على أن جملة المسائل المطروحة على رئيس الدولة القادم لن تكون لعبا في الفراغات السياسية الحاصلة، بقدر ما هي محاولة لإعادة رسم التوجهات العامة بأبعادها الإقليمية والدولية التي ستكون حاضرة دون شك خلال العهدة الرئاسية القادمة. وتأخذ تلك الأبعاد حيزا كبيرا في المقاربة السياسية للزبيدي، وتحديدا حين يتعلق الأمر بمختلف التطورات في المنطقة بمشاهدها المُتعددة، وذلك في علاقة بالسياسة الخارجية التونسية، التي تبقى حصريا من صلاحيات الرئيس القادم. وفي هذا السياق يقول الزبيدي لـ”العرب” في رده على سؤال حول الكيفية التي سيتعاطى بها مع الملف الليبي، إن “الاقتتال الداخلي في ليبيا والمُغذَّى أحيانا من أطراف خارجية لن يُجدي نفعا، والأشقاء في ليبيا تورطوا مع الأسف في هذه المآزق، ما خلق لنا في تونس ضغطا وتهديدا إضافيين،…لذلك سأعمل على دفع الحوار الوطني الليبي بتأطير إقليمي ودولي،… ولا خيار إلا هذا، ليبيا جار عزيز أمنه من أمننا والعكس بالعكس”. ورأى أن رئاسة تونس للقمة العربية “تُمثل أرضية ملائمة لتُساهم الدبلوماسية التونسية في آفاق الحل لمجمل الأزمات في المنطقة الذي لا نراه مرة أخرى إلا بالحوار القائم على الروح الوطنية”. وينسحب هذا الموقف على عضوية تونس غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، حيث أكد الزبيدي، حرصه على استثمار هذه الفرصة لدعم المصالح التونسية والانتصار للقضايا العربية عبر الدفع باتجاه إيجاد حلول لها، باعتبار أن الأوضاع في فلسطين وليبيا وسوريا ملحة جدا. وضمن هذا الهامش يحاول الزبيدي رسم خطوط عمله إذا فاز بالانتخابات الرئاسية، حيث تبدأ بالوضع الداخلي ومُحاولة إصلاحه وفقا لمُقتضيات الدستور، ولا تنتهي عند تفعيل الدبلوماسية التونسية رغم تداخل الحسابات الإقليمية والدولية، وتشابك معادلاتها.
مشاركة :