مع بداية الألفية الثالثة بدأت تتطور تكنولوجيات جديدة وتنتشر كانتشار النار في الهشيم. ومن أهم هذه التكنولوجيات هي تكنولوجية الإنترنت، التي وفرت المعلومة للجميع، ولتتحول تحديات الحصول على المعلومة، إلى تحديات كيفية الاستفادة منها في الدراسة والتحليل، لمعالجة المعضلات الحياتية، كما لعبت تكنولوجية الإنترنت في تطور تكنولوجية التواصل الاجتماعي، لتزيد من تواصل البشر في مختلف أنحاء العالم، فعلى الأقل نصف سكان العالم السبعة مليارات نسمة، يتواصلون معا مرات عديدة في اليوم الواحد، وبكلفة قريبة من هامشية كلفة الصفر. كما بدأت تبرز في الأفق تكنولوجية الطباعة الثلاثية الأبعاد، والتي ستخلق ثورة صناعية جديدة، وخاصة مع التطورات القادمة مع جي 5 في سرعة نقل الكم الهائل من المعلومات، لتمكن المستهلكين من طباعة أو صنع ما يحتاجونه بأنفسهم، أما على طابعة ثلاثية الأبعاد في المنزل، إن كان المنتج صغيرا، أو في المراكز الكبيرة للطباعة الثلاثية الأبعاد، بعد أن يقوم المستهلك بتصميم ما يحتاج إليه على جهاز كومبيوتره في البيت، وببرامج تشغيل وتصميم مجانية، ويحوله إلى المصنع للطبع، وبكلفة معقولة، تدفع من خلال بطاقات الائتمان. وستؤدي هذه التكنولوجية الجديدة إلى ثورة صناعية جديدة يكون فيها التصنيع شموليا، والمستهلك هو المصنع، كما سيؤدي ذلك إلى انخفاض الكلفة، مع اختفاء كثير من الوظائف، مع خلق تحديات جديدة لمشاكل البطالة. كما ستتطور صناعة الطباعة الثلاثية الأبعاد، لتستطيع تصنيع أعضاء الجنس البشري، والتي يمكن بعدها زرعها في المرضى، وخاصة بعد أن اكتشف البروفيسور الياباني شن يماناكا آلية لتحويل خلية الجلد الكهلة إلى خلية جذعية جنينية، وذلك بإضافة أربعة عوامل وراثية جينية لها. وباختصار شديد ستتمكن العلوم الطبية من القيام بالصيانة المتكررة لأعضاء جسم الإنسان، فكل ما تلف أو شاخ عضو ما، يمكن تبديله بزراعة عضو جديد، ومن خلايا المريض ذاته. ولن تتعرض هذه الأعضاء للرفض، لأنها من خلايا جسم المريض نفسه، فالجسم متعرف عليها، ولن يرفضها، وبذلك لن يحتاج المريض إلى الأدوية المكلفة والمعقدة والخطيرة، التي عادة تقي من الرفض الحيوي. ويبقى السؤال لعزيزي القارئ: هل هذه التصورات أحلام كاذبة، أم هي اختراعات قابلة للتنفيذ خلال عقود قادمة قريبة؟ لقد نشرت صحيفة اليابان تايمز مقالا عن استخدام الخلايا الجذعية في تشكيل أجزاء بشرية، ثم زرعها في المرضى. فقد تم حتى الآن زرع الأنف، والمهبل، في المرضى المصابين بالسرطان والتشوهات الخلقية، كما توسعت هذه التكنولوجية لتشكل زرع القصبات الهوائية، والمثانة، والأوردة، بل من المتوقع أن يتم قريبا زرع الرئة، والكلية، وربما القلب. فقد نشرت المجلة الطبية البريطانية اللانسيت، خبرا من البروفيسور مارتن برشال، بمركز أبحاث الأذن بجامعة لندن، بأنه من الممكن بهندسة الأنسجة البسيطة تكوين أو صنع مختلف أجزاء الجسم البشري، كالغضاريف، والأمعاء، والمريء. وقد تم بالفعل تشكيل مهبل، وزرعه في طفلة في المكسيك، كانت قد ولدت من دون مهبل. فقد قام بعملية زرع المهبل البروفيسور أنطوني اتالا، بالمركز الطبي للأبحاث بجامعة وك فوريست، في كارولينا الشمالية، وبالتعاون مع جامعة المكسيك. كما أكد البروفيسور اتالا بأنه من الممكن الاستفادة من هذه العملية أيضا في استبدال المهبل المصاب بالسرطان، بل وفي حالات إصابات الحوادث المهبلية. وقد قام الباحثون بأخذ رقعة صغيرة من خلايا المهبل، حيث تم تكاثرها في المختبر، وصممت على شكل المهبل المراد نقله، وفعلا تم زراعة هذا المهبل في المريضه المصابة. وقد أجريت أول عملية زراعة المهبل في عام 2005، وقام بمتابعتها الأطباء مدة سبع سنوات، وكان المريض في حالة جيدة ومن دون اختلاطات، بل صرح البروفيسور اتال بأنه، بعد ستة شهور من العملية، لا يمكن التفريق بين العضو المزروع من العضو الطبيعي. كما قام فريق آخر في سويسرا بتصميم أنف لخمسة مرضى مصابين بالسرطان. فقد أخذ الباحثون قطعة من غضروف الأنف، وتم تكاثرها في المختبر مدة أربعة أسابيع، ثم زرعت في أنف المريض المصاب بعد أن غطيت بجلد من جبهته. وقد أكد البروفيسور افان مارتن، من جامعة باسيل في سويسرا، بأنه لم تترافق هذه العمليات بأي اختلاطات مهمة. كما عقبت صحيفة اليابان تايمز على هذه التطورات بقولها: «يحاول العلماء بناء قلب بشري بالطباعة الثلاثية الأبعاد، والهدف خلق قلب جديد للمرضى من خلايا جسمهم، ليمكن بعدها زرع القلب الجديد بدلا من القلب المريض. والهدف من هذا المشروع المتفائل هو تكوين قلب يمكن أن يقوم بوظائفه الكاملة داخل جسم المريض المصاب. وقد نحتاج سنوات، وربما عقودا من الزمن لكي تتحقق هذه الأمنية، فمع أن التكنولوجيا ليست مستقبلية، فقد تمكن الباحثون من استخدام الطباعة الثلاثية الأبعاد في صنع صمام القلب، كما تم صنع الأذن البشرية أيضا. كما أكد البروفيسور ستيوارت وليم، بأن الباحثين في جامعة لويزفيل، قاموا بطباعة صمام قلب بشري، وأوردة صغيرة من الخلايا الجذعية، كما يمكنهم تشكيل أجزاء أخرى، وقد جربوا فعلا زرع هذه الأوردة في الفئران بنجاح. ويعتقد البروفيسور بأن فريقه يمكنه تكوين قلب متكامل خلال ثلاث إلى خمس سنوات، وليسمى القلب الجديد بالقلب الطبيعي الصناعي. والتحدي الكبير الذي سيواجهه الباحثون هو أن يتمكنوا من توجيه الخلايا لكي تعمل بتناسق، كما هو الحال في الخلايا العضلية للقلب الطبيعي. ولنتذكر أن تشكيل قلب من خلايا المريض نفسه، سيحميه من تحديات رفض الخلايا، وعلاجاتها المعقدة. ولو استمرت الأبحاث بشكل مُرض، سيتمكن الباحثون من تجربة القلب «الطبيعي الصناعي» خلال أقل من عقد من الزمن. وسيكون من أوائل المرضى المهيئين لهذا العلاج الجديد، مرضى هبوط القلب المزمن الذين لا يستطيعون الاستفادة من القلب الصناعي، وخاصة الأطفال، الذين يكون صدرهم صغيرا لقبول القلب الصناعي التقليدي. ويتوقع البروفيسور وليم بأنه سيتمكن أخد الخلايا من شحوم البطن، وعزل الخلايا الجذعية منها، وزرعها في المختبر لكي تتكاثر. وقد جرب العلماء الطباعة الثلاثية الأبعاد البيولوجية في عدد من الحيوانات المختبرية. وتعتمد هذه الطريقة على تنقية الخلايا الجذعية، ودمجها مع مادة هلامية، ومن ثم استخدام هذا المزيج من الخلايا والمادة الهلامية، في طباعتها على شكل طبقات، بالطباعة الثلاثية الأبعاد البيولوجية، لتكوين القلب المطلوب، وبعدها ستنمو هذه الخلايا لتشكل القلب المكتمل الطبيعي الجديد. وقد تمت فعلا الاستفادة من تكنولوجية الطباعة الثلاثية الأبعاد البيولوجية مثلا في تكوين أذن بشرية، وزرعها بنجاح في بعض المرضى. ولنا لقاء.
مشاركة :