النجاحات الكبيرة التي حققها قطاع الطيران في الإمارات، لا تتوقف عند مستوى الخدمات المقدمة في المطارات، أو عبر أساطيل الطائرات التي تسيرها الناقلات الوطنية إلى مختلف الوجهات حول العالم، ولا عند الجوائز العالمية العديدة التي اكتسبها هذا القطاع خلال السنوات الماضية، فإلى جانب كل ذلك هناك نجاح من نوع مختلف، قائم على ترسيخ مبادئ وقيم التسامح والإنسانية والتعايش بين كافة الجنسيات والأعراق والانتماءات العالمية، والتي تلتقي كلها في أجواء وسماء العالم، عبر هذه الأساطيل، مثلما تلتقي على الأرض في المطارات. فالطائرات الإماراتية التي يتجاوز عددها 500 طائرة، تضم موظفين ينتمون إلى مختلف جنسيات العالم ولغاته وأديانه وثقافاته، مثلما تحمل هذه الطائرات على متنها مسافرين من انتماءات مختلفة، ولولا قيم التسامح والتعايش التي عرفت بها الإمارات ورسختها على مر العقود، لما كانت الطائرات الإماراتية هي الخيار المفضل لمئات الملايين من المسافرين من دول وقارات العالم المختلفة. فالناقلات الوطنية، الاتحاد للطيران، وطيران الإمارات، والعربية للطيران، وفلاي دبي، مع احتضانها مئات الجنسيات، وتوسع شبكة خطوطها الخارجية لتصل إلى 428 وجهة العام الماضي، وتملكها لأسطول يصل إلى 500 طائرة، استطاعت تقصير المسافة وإزالة الحدود بين الثقافات للمساهمة بشكل رئيس في التقاء الشعوب والانفتاح على ثقافات مختلفة وتقبل الآخرين. أما مطارات الدولة، فاستطاعت أن تستقبل 134 مليون مسافر في العام الماضي، وأضحت من أكثر المطارات الدولية تطوراً وأكبرها من حيث السعة، وعدد الرحلات، ومستوى الخدمات وتسهيل تجربة المسافرين، حيث يعد مطار دبي الدولي الأول عالمياً من حيث عدد المسافرين الدوليين، بينما يعتبر مطار أبوظبي الدولي الأسرع نمواً عالمياً. وما يؤكد ويعكس انفتاح دولة الإمارات، ممثلةً بقطاع الطيران على العالم، أنها تعد الأولى عالمياً في عدد اتفاقيات النقل الجوي الموقعة، والتي يبلغ عددها 176 اتفاقية، وأصبحت تلعب دوراً حيوياً في الحفاظ على أمن الطيران المدني الإقليمي والدولي، بالتعاون مع منظمة الطيران المدني الدولي. يقول سيف السويدي مدير عام الهيئة العامة للطيران المدني: «يعد قطاع الطيران الحاضن الأكبر للثقافات حول العالم، نظراً لديناميكية هذا القطاع وانفتاحه على مختلف الثقافات، كما أن المكانة المتميزة للدولة في مجال صناعة الطيران على الصعيدين الإقليمي والدولي، جعلت منه خير نموذج للتسامح بين شعوب العالم». ويضيف السويدي: «كان لقطاع الطيران في دولة الإمارات دور فعال في نشر رسالة التسامح السامية وإيصال ثقافة دولة الإمارات لاستقبال ثقافات الدول الأخرى، وترسيخ نهج وطن يؤمن باحترام الآخر، لا تمييز فيه بين الأفراد أو الجماعات، ويتعايش فيه ما يزيد على مئتي جنسية من مختلف بلدان العالم، وفيه أعلى قيم الحوار والتعايش الإنساني». وفي نفس السياق، يقول أحمد محمد القبيسي، نائب أول الرئيس للشؤون الحكومية والدولية بمجموعة الاتحاد للطيران:«تحتفي مجموعة الاتحاد للطيران بعام التسامح باعتباره امتداداً لنهج زايد المؤسس، والذي يهدف إلى تعميق قيم التسامح والحوار وتقبل الآخر والانفتاح على الثقافات المختلفة». وحول مبادرات الناقل الوطني لعام التسامح، يشير القبيسي:«من أبرز مبادراتنا في عام التسامح هو مشاركتنا نجاح تنظيم الأولمبياد الخاص، والذي يعد أكبر حدث رياضي وإنساني على مستوى العالم لهذا العام، حيث قامت الاتحاد للطيران بنقل أكثر من 4 آلاف رياضي ومرافق من أكثر من 100 دولة إلى أبوظبي للمشاركة في الألعاب، كما تطوع نحو 500 موظف، بما يعادل 1500 ساعة عمل، للمساعدة في تنظيم الألعاب». ويضيف:«بمشاركة ضيوفنا الكرام، قمنا بالتبرع بأكثر من مليون ونصف ميل مباشرة لمساعدة اللاعبين من ذوي الهمم من مختلف أنحاء العالم، لتحقيق طموحهم والتنافس في هذا الحدث العالمي». ويقول القبيسي: «وكانت للاتحاد مشاركة مميزة في الاحتفاء بزيارة قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية التاريخية للعاصمة أبوظبي، حيث قمنا بعرض حي للبث المباشر للقداس الذي أقامه قداسة البابا على متن طائرات الاتحاد للطيران وفي صالات رجال الأعمال والدرجة الأولى حول العالم، كما تشرفنا بنقل قداسته على متن طائراتنا، لدى عودته إلى مطار شامبيون بروما». وسافر قداسة البابا على طائرة تتألف من 15 جنسية مختلفة، بما يعكس التنوع الثقافي داخل مجموعة الاتحاد للطيران. ويؤكد القبيسي: «قمنا بالعديد من المبادرات لتعريف الضيوف المسافرين على متن رحلاتنا من مختلف الجنسيات بعام التسامح، عبر أنظمة الترفيه على متن الطائرة، إلى جانب الفعاليات المقامة حول العالم». وفي نفس السياق، يقول صلاح الكعبي رئيس قسم الأنشطة والفعاليات في جمعية رواد الأعمال الإماراتيين، والمدير التنفيذي لـ«بافاريا للعطلات»: «إن قطاع السياحة والطيران هو أساس ورمز للتسامح، فهو يتيح التقاء الشعوب وتبادل الثقافات». ويؤكد الكعبي «أن الإمارات استطاعت من خلال تطور قطاع الطيران، من شبكة النقالات الوطنية التي تصل إلى جميع أنحاء العالم، وتطور مطاراتها وتفوقها عالمياً وانفتاح شعبها على الثقافات الأخرى، أن تسهم بشكل كبير في نشر التسامح، وأن تكون صورة مشرقة للتسامح أمام زوارها وسياحها». وشدد على أن قطاع الطيران والسياحة في الإمارات، يجسد قيم التسامح من خلال تفوقه على مستوى عالمي وقدرته على جذب الملايين إلى الإمارات. مبادرات الطيران المدني لعام التسامح قامت الهيئة العامة للطيران المدني بتنفيذ مبادرات متعددة للتسامح بالنصف الأول من العام الجاري، وتتمثل في تنظيم ندوة في يناير الماضي حول التسامح في الإسلام، مقدمة من الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، في حين تم الاحتفال في فبراير باليوم الوطني لدولة الكويت في البرنامج الدولي لقادة الطيران المدني، إلى جانب المشاركة في دورة التسامح لكرة القدم، فضلاً عن تنظم الحفل السنوي للموظفين. أما في شهر مارس الماضي، فتمت المشاركة في بطولة الشارقة للكريكت، بمشاركة الجالية الهندية والباكستانية، حيث شارك في البطولة عدة نوادٍ في الدولة وهيئات حكومية للتسامح، إضافة إلى تنظيم اليوم الرياضي الوطني بمشاركة الموظفين من جميع القطاعات، وفي أبريل، تم تنظيم فعاليات عام تسامح على هامش معرض تقنية البلوك تشين، من خلال مشاركة منصة التسامح التابعة لوزارة التسامح، وإهداء رئيس منظمة الطيران المدني الدولي «أيكاو» لوحة تذكارية مع شعار عام التسامح، إلى جانب التنسيق مع الشركاء الاستراتيجيين لإبراز مبادرات عام التسامح في منصاتهم. واحتفلت الهيئة بالنصف من شعبان مع الشركاء الاستراتيجيين بتوزيع هدايا تذكارية مع شعار عام التسامح، بهدف التعريف عن يوم النصف من شعبان للجاليات المختلفة في مطارات دبي وأبوظبي والمبنى الرئيسي لطيران الإمارات وهيئة السلع والأوراق المالية وهيئة التأمين. وفي شهر مايو تمت رعاية خيمة رمضانية بالتعاون مع جمعية دار البر الخيرية، حيث تم تنظيم الخيمة من قبل متطوعي الهيئة، ونظمت الهيئة مبادرة كسوة العيد بالتعاون مع الهلال الأحمر الإماراتي للأسر المتعففة. وتنفذ الهيئة مبادرات أخرى للتسامح بالنصف الثاني من العام، فتم في يوليو إدراج مبادرات عام التسامح في الخطة الخاصة بمخيم براعم الطيران لتعزيز مبدأ التسامح الثقافي، وفي سبتمبر ستتم دعوة وزارة التسامح والشركاء الاستراتيجيين للمشاركة في انتخابات الحصول على مقعد في منظمة الطيران المدني الدولية، من خلال توفير منصات خاصة لعرض مبادراتهم عن عام التسامح. وفي أكتوبر، سيتم التعاون مع الشركاء الاستراتيجيين لتعزيز مبدأ التسامح في احتفالات يوم الطيران المدني الإماراتي، أما في نوفمبر فسيتم إدراج أنشطة تفاعلية مع الزوار في معرض الطيران وعرض مبادرات الهيئة التي تم تنفيذها هذا العام. وفي ديسمبر، سيتم إدراج أنشطة تفاعلية مع الموظفين في اليوم الوطني، كما سيتم إدراج الشعار في جميع التصاميم والمطبوعات، إلى جانب تنظيم مسيرة عام التسامح ضمن مبادرات الماراثون السنوي الخاص بالهيئة. مئات الجنسيات يعمل في الناقلات الوطنية في الدولة موظفون ينتمون لمئات الجنسيات، ما يؤكد قيم التسامح وتقبل الثقافات الأخرى، والتي هي جزء لا يتجزأ من قطاع الطيران والسياحة. وتضم الاتحاد للطيران أكثر من 150 جنسية، ويعمل بها نحو 23 ألف موظف، الأمر الذي يُظهر روح التنوع والتناغم التي تسود الشركة. أما مجموعة طيران الإمارات، فينتمي موظفو المجموعة إلى 160 جنسية، ليبلغ عددهم 105.2 ألف موظف، في وقت يضم فريق الخدمات الجوية في طيران الإمارات، عاملين من نحو 135 جنسية. أما فلاي دبي، فهي تضم موظفين من 120 جنسية مختلفة. استدامة التسامح تستهلك نسبة كبيرة من سكان العالم كميات ضئيلة من المياه تقل عن حاجتهم الحقيقية، حيث تشير التقديرات إلى أن 844 مليون شخص على مستوى العالم يفتقرون إلى المياه الصالحة للشرب، فضلاً عن أن 2.3 مليار شخص ليس لديهم خدمات صرف صحي ومراحي ض. وتشمل أزمة المياه المقلقة هذه المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، ويجد الجنس البشري نفسه أمام تحدٍ متزايد يتمثل في وفرة المياه ضمن بعض المناطق وندرتها بالمقابل في مناطق أخرى، لذلك تقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية البحث عن حلول مبتكرة تضمن تحقيق توزيع عادل للموارد المائية. ضمان توفير المياه والصرف الصحي للجميع وإدارتها بشكل مستدام أحد أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كما يرتبط ذلك، بشكل مباشر أو غير مباشر، بالعديد من أهداف التنمية المستدامة الأخرى التي تشمل على سبيل المثال القضاء على الفقر، والقضاء على الجوع، وتحسين مستويات الصحة والرفاه، وتوفير تعليم جيد، وتعزيز المساواة بين الجنسين. ولا يقتصر الأمر على تلك الأزمات المرتبطة بموارد المياه وحسب، فمن الواضح أن تغير المناخ كان له تأثير على الدورة الهيدرولوجية للكوكب من خلال إحداث خلل في وتيرة هطول الأمطار ومواسمها، ما جعل إدارة المياه أكثر صعوبة، لأن الأنماط التي كان يمكن التنبؤ بها في السنوات السابقة تدنت درجة موثوقيتها أكثر فأكثر، كما يعد النمو السكاني والاقتصادي والتوسع الحضري غير المسبوق من العوامل المهمة التي تسهم في تنامي هذا التحدي. لقد اعتدنا على مدى العقد الماضي أن نتلقى في الأخبار العاجلة تقارير حول الأضرار الهائلة التي تلحق بحياة الإنسان والبنية التحتية الحيوية وقطاع الزراعة، ولا شك أن لذلك تبعات كبيرة، تنشأ عنها تحديات جديدة تواجه أزمة اللاجئين العالمية والخطط التنموية للدول والأمن الغذائي العالمي. ووفقاً لدراسة أجرتها مجلة «ساينس أدفانسز» عام 2016، تعاني 14 من أصل 20 مدينة في العالم، شح المياه أو الجفاف، حيث يعيش ما يصل إلى 4 مليارات شخص في مناطق تعاني أزمة مياه حادة تمتد لمدة شهر على الأقل سنوياً. ومع استمرار تزايد التعداد السكاني، وما لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة، فإن الضغط على إمدادات المياه سيصبح أكبر. وفي ذات السياق، تتضمن بيانات الأمم المتحدة حول الكوارث أيضاً مؤشرات واضحة على تزايد احتمالات التعرض لفيضانات، الأمر الذي بدأ يحدث بالفعل بتواتر أكبر من قبل، لا سيما على طول المناطق الساحلية ووديان الأنهار، وهو ما سيوسع من دائرة المتضررين لتشمل المزيد من الناس. وقد مثلت الفيضانات بين عامي 1995 و2015 أكثر من نصف الكوارث المرتبطة بالطقس، وأدت إلى وفاة 157 ألف شخص والتأثير سلبياً على حياة أكثر من 2.3 مليار شخص، تجدر الإشارة إلى أن النساء أكثر تأثراً نسبياً بأزمة المياه العالمية، فعبء إدارة المنزل يقع بالغالب عليهن. وتتكفل النساء أو الفتيات الصغيرات في كثير من البلدان بمهمة جلب ونقل المياه، ما يمنعهن من الذهاب إلى المدرسة، والحصول على فرصة عمل يمكن أن تعود بالنفع على مجتمعاتهن وعائلاتهن. من المؤلم أن نرى في القرن الحادي والعشرين الملايين من البشر لا يزالون يكافحون يومياً من أجل الحصول على مياه صالحة للشرب. فمن ناحية، لدينا دول تستثمر الملايين في استكشاف الفضاء للعثور على أثر للمياه، في حين أن هذا العنصر الأساسي للحياة لا يزال بعيد المنال بالنسبة للكثيرين من سكان كوكب الأرض. لذلك لا يمكننا أن نواصل النظر بضمير مرتاح إلى هذا الإنكار لهذه الحاجة الأساسية. وقد جسّدت دولة الإمارات العربية المتحدة هذا المفهوم بشكل عملي، حين حددت عام 2019 عاماً للتسامح، استلهاماً من إرث الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيّب الله ثراه). فمن خلال السعي إلى الجمع بين مختلف الثقافات والدول والمجتمعات، يعكس الاحتفاء بـ «عام التسامح» مدى أهمية توسيع آفاقنا وإظهار مزيد من التعاطف مع المحتاجين والمجتمعات المحرومة، وأن نضع الاختلافات جانباً، وأن نطوّر استراتيجيات كفيلة بإيجاد حلول مبتكرة تساهم في التغلب على أخطر التحديات التي تهدد حياة البشر. وبالرغم من صعوبة التغلب على هذه التحديات، غير أنني ومن خلال مختلف المناصب القيادية العالمية التي تشرفت بالاضطلاع بها، لاحظت أن العمل الجماعي والتصميم من شأنهما إحداث تأثير حقيقي. صحيح أن الوسائل والأساليب قد تختلف كثيراً من دولة إلى أخرى، لكن إجماع المجتمع العالمي على تحديد أهداف التنمية المستدامة هو دليل على التزام جماعي بإيجاد حلول لأكثر القضايا العالمية إلحاحاً. وبصفتي نائباً لرئيس لجنة تحكيم جائزة زايد للاستدامة، وجدت أن التصميم على إيجاد حلول لقضايا التنمية الشائكة يزداد عاماً بعد آخر خاصة في ظل التفاني الذي تظهره المؤسسات العاملة في هذا المجال والمهتمين به من فئة الشباب على حد سواء. ومما يدعو إلى التفاؤل، هو أنه وعلى الرغم من المخاطر الحقيقية والمثيرة للقلق التي يتعرض لها العالم، إلا أن هناك أشخاصاً يواجهون هذه التحديات ويقدمون حلولاً، وليس أعذاراً، لبناء مستقبل أفضل تستحقه الأجيال القادمة. نحن نعيش لحظة تاريخية مفصلية، فمن المرجح أن يواجه جيلنا أكثر من غيره آثار الأزمات المرتبطة بالمياه وتحديات المناخ، وهذا يتطلب عملاً جماعياً وتعاوناً من قبل مختلف الجهات والأطراف، فمن خلال تضافر جهود الجميع يمكننا جعل الأمور التي يبدو الوصول إليها مستحيلاً قابلة للتحقيق. بعد عشر سنوات من الآن، سيتم تقييم نجاح تنفيذ أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر الواجب تحقيقها بحلول عام 2030، في الوقت الذي لا نزال نواجه فيه العديد من تحديات الاستدامة. وعليه فإنه يجب علينا أن نواصل العمل الجاد، واتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة التي من شأنها أن تشكل قاعدة متينة لبناء مستقبل مزدهر.. مستقبل يشكل فرصة للجيل القادم لإدماج التنمية البشرية والتنمية المستدامة بشكل كامل كمنهج حياة فريد غير قابل للمساومة.
مشاركة :