يجب أن أسجل بعض النقاط قبل طرح الموضوع. وأول تلك النقاط أن قيادة هذه البلاد وشعبها يقدرون ويثمنون كل الجهود التي بذلها إخوة لنا من العرب والمسلمين في مسيرتنا التنموية. وكذلك شاركهم العديد من غيرهم. وأتى آخر تثمين من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عند لقائه الأسبوع الماضي مع قيادات التعليم في المملكة. ففي هذا اللقاء أشار- حفظه الله- إلى تلك الجهود التي بذلها الإخوة من غير السعوديين في مسيرتنا التعليمية وكرر الشكر لهم. ولم يغب أيضاً عن ذلك اللقاء أهمية التقدم العلمي الذي تزخر به مؤسساتنا التعليمية والتي لم تحرم الكثير من أبناء الإخوة المقيمين من الإفادة منها ومن مجانية التعليم العام. بل وأتاحت للمميزين الالتحاق ببرامج المنح الجامعية وربما البحثية في جامعة الملك عبدلله للعلوم والتقنية. كل هذا لا يمنعنا من الوقوف بعقلانية أمام الزحف التدريجي نحو إحباط كل خطوة من خطوات نجاح برامج السعودة. وكأننا في مرحلة ترقب عسكري في ميدان معركة حتى نكتشف موقع العدو ومتى سيهجم. أعتقد أن الوقفة العقلانية تقول إننا لا نزال وسنظل بحاجة إلى الكثير من الأخوة والأخوات من غير السعوديين للمشاركة في مسيرتنا التنموية التي أسأل الله لها الازدهار. ولكن يجب أن نعرف أين نحتاجهم؟ وكم أعدادهم؟ وما هي ميزاتهم التي ستضيف للمشهد التنموي؟ أما أن تترك في سوق يعتقد الوافد فيه أنه اشترى ما يتعارف عليه عندهم "بتأشيرة حرة"، وهي تعني في ظني أكثر من حرية العمل بعيداً عن كفيل لتصل إلى حد فوضى سبل اكتساب العيش والعمل دونما مواصفات كما هو الحال مع السعودي صاحب الملف الأخضر. الأسواء من هذا ما أشارت إليه ندوة في جامعة المؤسس الأسبوع الماضي حول خطورة" استقطاب موارد بشرية أجنبية كأحد أهم المعوقات أمام الشباب السعودي". وهنا بيت القصيد. ففي اعتقادي أننا نجحنا بامتياز في سعودة الواجهة الخدمية للبنوك. فالشباب السعودي الذي زين المشهد البنكي لعقدين بات يدفع الكفؤ منهم بالخروج المبكر. وأعتقد أن الزحف الأجنبي في غرفة "مغاتير بنوكنا" من الأجانب باتت مسألة تحتاج إلى وقفة تأمل. فماذا أضافت لنا تلك العملية "الزاحفة" سوى تطفيش الموظف المواطن ليحل محله مواطن آخر غير كفؤ يتحكم فيه أجنبي بالبقاء أو الترقية. وماذا نلاحظ في تعامل البنوك مع المنشآت الوطنية الصغيرة، تعاني هي الأخرى في بعض المواقف. أعتقد أن هناك خطوات من وزارة العمل استبشر بها المواطن خيراً ولكنها لا تزال في المنطقة الضبابية من حيث النتائج ودخلت منطقة النقد الإعلامي. وهذا ما يمكن لمسه بتجرد في اتفاق الكثير من الزملاء كتّاب الرأي عند مناقشة هذا الهم الوطني. لا نشكك في النوايا ولكن بكل تأكيد نخشى سوء النتائج. فالزحف القادم ببطء ومن الأبواب الخلفية يجعلنا نحذر كما حذرنا الأجداد من "الماء تحت التبن" ومن "عقرب الثرى". فكلاهما يأخذ المرء حين غرة وبعد أن تسقط مؤسسة كنا نأمل منها خيراً للوطن وللمواطن. فما العمل إذاً؟ لن أدلي بالكثير من المقترحات، فأهل الفتوى الإدارية من المكاتب العالمية للتطوير ستكفينا جميعا الأحلام الاستشرافية، وإنما أريد أن يكون لدينا مؤشر واضح في كل مؤسسة كبرى حول برامج التوظيف او توطين الوظائف. ولعلني أعيدكم إلى مقال سابق كتبته هنا وأطالب فيه بالبدء بتوطين بعض وظائف مؤسساتنا في الخارج. فكم من العاملين في الخطوط السعودية وسابك والملحقيات التعليمية. وعندما طلب مثقف سعودي التعاون مع الملحقية في أميركا لم يحظَ برد فكيف سيحصل على وظيفة؟ لن تتحقق النتائج إلا بالتوازن بين دخول الإخوة من المتعاقدين وبرامج الإحلال الوطني. ولعل البدء يتم في سعودة تشغيل الطيران الأجنبي في مطاراتنا كما هي في مطاراتهم. ولا بدّ من زحف عكسي أو تكوين حائط صد أو تكتيك كشف تسلل رياضي بعد أن أعيانا الجهد في كشفه إدارياً. فربما يكون لدينا مكاتب لتقديم شبابنا للتوظيف في مؤسساتنا بالخارج على الأقل بدلاً من العمل لدى الغير وفي الخارج أيضاً. كل هذا في ظل انفتاح وكرم مع إخوتنا وضيوفنا وشركاء التنمية. فنحن نعلم "ان من لم يرب معروفه فقد ضيّعه".
مشاركة :