دخلت أحداث باريس الإرهابية الجمعة الماضية قوائم الرصد والتوثيق التشاؤمي والتحريضي. وستبدأ بعدها حسابات الحقل والبيدر كما يقول أهلنا في بلاد الشام. وستكون حصة من حصص الإرهاب المجدول ولن تبتعد النتائج كثيرا عن قاعدة "أشبعناهم إرهابا وفازوا بالإبل". إنها مأساة أربعة عقود من انفلات الإرهاب والتطرف من عقال الحكمة والقيم الإنسانية وجر الخيبة على المنطقة وأهلها. والضحية دوما هم أبرياء المسلمين. ويتفق البعض على أن نظرية المؤامرة ليست دقيقة بالمرة، ولكن كلما حاول المرء الخروج من صندوقها النمطي في التفكير لا يلبث أن يعود اليه؛ فالأحداث المتعاقبة في المنطقة منذ الحادي عشر من سبتمبر لا يمكن أن تحدث من تنظيمات خلقت تحت حماية بعض الدول وإن انكرت ذلك للعلن. فسقوط الطائرة الروسية وهجمات باريس يرى البعض أن الفاعل اكبر من تنظيم إرهابي فقط. ومع هذا فللجمعة السوداء التي توافق اليوم الثالث عشر تاريخ طويل في العقل المسيحي الغربي. فهي تمثل بالنسبة للبعض ما حدث بعد "المائدة" والعشاء الأخير للمسيح عليه وأمه السلام. فكان العدد"13" هو من كان على تلك المائدة، فكم يا ترى سيكون أعداد المسلمين على ما بعد مائدة جمعة الثالث عشر من نوفمبر في باريس؟ لا يظن البعض أن حديث الرئيس الفرنسي بعد الحادثة هو للتخدير او الاستهلاك المحلي. فاستدعاء قانون الطوارئ الذي لم يطبق منذ أيام الاستعمار الفرنسي للجزائر رسالة فرنسية واضحة أن هذا الاختراق الأمني سيدفع ثمنه غاليا، وكما دفع العرب والمسلمون الثمن غاليا بعد الحادي عشر من سبتمبر. وستعزز وسائل الاعلام الغربية فرضيات المؤامرة والاختلاف وترسم المزيد من صور العالم المتوحش الذي ساهم بعض الجهلة من المسلمين في رسمه حول العالم. وستكون جزءا من حملة منظمة ستطال بلا شك جيوب التطرف والفكر المنحرف وهذا هو المطلوب ولكن لا بد من مسعى ألا ندخل في حسابات "الخير يخص والشر يعم" فتصيب الأبرياء وتترك الأشرار. فالحملة بدأت في النرويج وربما ترحيل الملا كريكار من هناك للمحاكمة بسبب اعمال إرهابية اوروبية. والمانيا وايطاليا وبريطانيا واسبانيا وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه الإرهاب وجماعاته. هناك تخوف أولي من ردود الأفعال الوحشية التي قد تطال المهاجرين العرب من جحيم إرهاب داعش في سورية والعراق وما شابهها من جماعات إرهابية تحت مسمى الحشد الشعبي في العراق. ولعل دعوة نائب رئيس مجلس علماء العراق الدكتور منير العبيدي تدق ناقوس الخطر لما يدور في العراق بأيد فارسية لتشويه صورة الإسلام السني وربطه بالتطرف وإبعاد التهمة عما تقوم به ايران من دعم لإرهاب الحشد الشعبي الشيعي ضد مناطق السنة. وبعدها بدأت ايران تدفع بصورة اكثر بشاعة عندما يربط الاعلام الفارسي بين الاحداث الإرهابية بمفردات تحاول المساس بالمملكة. والصورة التي ستحضر في العقل الباطن المسيحي أو على الأقل وتتحرك بداخله بشكل أو بآخر هي بداية صورة "فرسان الهيكل" الصليبية في مواجهة قوى الشر من المشرق الى أن تم جمع وحرق تلك الفرقة المتطرفة في عام 1307 م. فلو عادت فرقة دواعش ذلك العصر فلن تختلف عن دواعش الحاضر.. تلك هي الحجة والوسيلة ولكن الأهداف لم ولن تظهر للعلن الى الآن. فالمنطقة وضعت منذ زمن في زوايا الاستعباد أو الاستعمار الاقتصادي وفقا لتصنيفاتهم وقروضهم وتسهيلاتهم. وبمعنى آخر أننا نلعب في ساحاتهم ووفق قواعدهم، ومع هذا يظهر من بني جلدتنا خونة وجهلة يعطونهم الحجة والذريعة والسلوك المشين لإرجاع المنطقة لعصور الظلام. بل ربما الى نشوء حركات عنصرية تصهر المسلمين في أوروبا في بوتقتهم الثقافية او طردهم وترك من يهاجر اليهم طعما لأسماك البحر. وهذا تأكيد على أن ظهور الحركات المتطرفة والداعية لكراهية الإسلام وطرده من أوروبا واستراليا وغيرها ما هو إلا نتيجة ردود فعل وذريعة على أعمال هذه الفئة من الغوغاء وبعض علماء منابر التغرير بهم من المتأسلمين. خلاصة القول إن تراكم الاحداث الإرهابية وارتباطها بالجمعة السوداء يزيدان من مخاوف ردود الفعل ضد المسلمين. وبناء على رؤية مركز إدارة الضغوط النفسية ومعهد الرهاب الاجتماعي في اشفيل بولاية كارولينا الشمالية الأميركية أن هناك ما لا يقل عن 21 مليون اميركي يخافون هذا اليوم وتداعياته. وعليه سيدخلهم إرهاب الجمعة السوداء في حسابات من يرد ان يستغل خوفهم ويعززه ضد المسلمين فيتحول الخوف الى سلوك تطرف وعنف. أما هذه الأدوات التي نفذت تلك الاعمال الإرهابية فلن تحصد أكثر من الضجيج الإعلامي المؤقت والذي لن يوقظ عنصرية فرسان هيكل صليبي جديد ضد المهاجرين. ولعل من يغرر بهذا الإرهابي أن يعلم بأن رأس الكفر الخيانة ورأس الجهل في معاداة الناس.
مشاركة :