مغامرات ورثة «جات بالساهل»..تبذير وسوء تدبير!

  • 10/21/2013
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تتغيّر نفوس الكثير من الأشخاص وتصرفاتهم بشكل مفاجئ لمن حولهم، وذلك بمجرد أن يضعوا أيديهم على نصيبهم من «إرث أتاهم بالساهل»، ويبقى تعامل الأب مع أبنائه من الناحية المادية هو من يحدد قدرتهم وكفاءتهم في الحفاظ عليه أو ضياعه، إذ يفترض أن يكون إرثه الحقيقي ما يتركه من قيم ومبادئ وأخلاق، قبل أن تكون مجرد أرصدة وعقارات لم يتعلموا كيف جاءت؟، أو كيف يتم الحفاظ عليها؟ ويتسبب انتقال المال وبشكل مفاجئ ودون تعب إلى الأبناء في تغير نفسياتهم وأفعالهم، وقد يُصيبهم التعالي والكبر، ومنهم من يكون محل طمع واستغلال بعض النفوس، باعتباره مصدرا لسعادتهم، فيُقال له المديح ويُعطى الاهتمام المبالغ فيه، فيشعر أن له أهمية كبيرة عند الناس، وهذا قد يدفعه إلى أن ينظر إلى نفسه أعلى مما هي عليه، وهنا لابد أن يُدرك الآباء أدوارهم جيداً عبر مُشاركة الأبناء في إدارة الأعمال، ثم يكون الأب الرقيب عليهم في حياته، وبما يكسبهم الثقة والمعرفة وحسن التدبير، مما يقود إلى المحافظة على تلك الثروة بعد غيابه، كما يجب أن لا يحرم الأب أبناءه من المال، فالحرمان قد يتسبب في تبذير الأموال بمجرد انتقالها لهم، كما أن ذلك من شأنه أن يتسرب «الغرور» و»الكبرياء» داخل نفوس الأبناء، خاصةً بمجرد تحويل الأموال إلى أرصدتهم البنكية وبصورة مفاجئة!. شاف نفسه وقالت «هند الفاضلي»: إن كثيرا من العلاقات العائلية أو الصداقات الحميمة تفقد مكانتها وقيمتها لمجرد أن أحدهم حصل على «إرثه» من «تركة» والده، إذ يصبح للمحيطين به وكأنه شخص آخر، مختلف تماماً عمن يعرفونه، حيث كان بالنسبة لهم مضرب مثال في التربية والأخلاق العالية، إلاّ أن تعاليه وتكبره عليهم جعلهم هم من يبتعدون عنه، آسفين على هذا التغير الذي كشف هذا الشخص على حقيقته، مضيفةً أن شقيقها الأكبر والذي كان وكيلا شرعيا لمال الورثة لم يسلم أقرب الناس إليه من تكبره وتعاليه، بعد أن آلت إلية أملاك وثروة والدها، الذي عرف عنه التواضع والتبسط للناس والتقرب من موظفيه تحديداً ومشاركته أفراحهم وأحزانهم، لكن ما فعله شقيقها الذي أعمى المال بصيرته أنه «شاف نفسه» كثيراً، وغيّر أرقام هواتفه، وأصبح لا يُحدّث الجميع بما فيهم والدتها إلاّ من «طرف خشمه»، مبينةً أنه عيّن مدير أعمال و»سكرتيرا» خاصا به، كما أنه تنحى عن متابعة إدارة الأعمال بسبب انشغاله بسفره الدائم، إلى جانب أنه اشترى سيارة فارهة ومنزلا خلال فترة قصيرة. فجوة كبيرة وأوضحت «هند الفاضلي» أنه عندما شعرت والدتها أن أخاها يضع جميع الورثة على طريق الإفلاس بسبب صرفه الزائد وإهماله لمتابعة وتنمية تلك الثروة نصحته، إلاّ أنه لم يعِ أو يقدّر كلامها وخوفها على أموال البقية، حينها كان الحل إلغاء الوكالة وإعطاءه نصيبه من الإرث ليتصرف به كيف يشاء، وبالطبع كان لهذا التصرف أثر كبير في إحداث فجوة كبيرة بين أفراد الأسرة، إذ منع زوجته وأولاده من زيارتهم، وقطع علاقته بهم، مبينةً أنه مع مرور الأيام أضاع الكثير من ماله في مشروعاته الخاسرة، وحمّل نفسه الكثير من الديون والقروض، مشيرةً إلى أنهم رفضوا مساعدته فيما تبقى لهم من مال، ليصبح تائها لا يستطيع فك أزمته المادية، مؤكدةً على أنه بعد أن كان منزل والدها مقصدا للكثير من المعسرين لقضاء حوائجهم، أصبح أخوها يبحث عمن يعينه على سداد ديونه وشيكات لا يملك لها أرصدة!. أُسس تربوية وأكد «سليمان المحيسن» -رجل أعمال- على أن الآباء جميعهم حريصون على توفير العيش الرغيد لأبنائهم، ويستثمرون أوقاتهم وجهدهم في تلبية كافة متطلباتهم، وكذلك تأمين ما يعينهم على مواجهة أعباء الحياة المادية حتى بعد وفاتهم، إلاّ أنهم مع زخم متطلبات الحياة وضغوطها يغفلون عن أهمية اطلاعهم على قيمة وصعوبة الحصول والمحافظة على المال، مما ينعكس سلباً على ثقافتهم، وإدارتهم لما يكون في أيديهم من مال، مضيفاً أن كثيرا من الورثة أضاع ماله ومال أسرته لأنه جاءه على البارد المستريح، دون أن يتعب في جنيه، أو حتى يتعلم كيف يديره ويحافظ عليه، لافتاً إلى أنه من الضروري الاهتمام بالأسس التربوية التي يجب على الآباء أو الشخصية الثرية بشكل خاص غرسها في أبنائهم، ومن أهمها تلك الأسس المرتبطة بالعامل الروحي بالمقام الأول، وتأتي في إطارها التعاليم الدينية والتعليمية والقيم الاجتماعية والعادات والتقاليد، كالتواضع والبذل والإحسان، كما أن هناك أسسا تربوية تدريبية تكمن في دارسة ومراقبة سلوك الأبناء، وإشراكهم باكراً تجارب الحياة، وكذلك إدخالهم معتركها، وتشجيعهم على اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة وفقاً لطموحاتهم وأهدافهم. إيجاد التوازن وشدّد «المحيسن» على أهمية تحذير الآباء أبناءهم من الغرور والتكبر، أو حتى الطمع الزائد الذي لا تُحمد عقباه، يأتي هذا الدور التربوي للأب في الانتباه لمثل تلك التصرفات مبكراً والتعامل معها إما سلباً بالسكوت عنها، أو إيجاباً بإنكارها، ومحاولة توجيه أبناءئه إلى السلوك الصحيح والأمثل، ناصحاً الآباء بالاهتمام البالغ بالأبناء كونهم التجارة الرابحة والصفقة المثلى والعلامة التجارية الرائدة، التي تبرز نجاح الشخص بالحياة وتخلد اسمه بعد موته، مع حثّهم على استثمار وقت الأبناء بشكل عادل ومنصف ما بين الترفيه والتعليم ومتابعة الاهتمامات والتشجيع، مما يساعد في إيجاد التوازن الأمثل في شخصياتهم، داعياً الآباء إلى خلق صداقة رائعة مع أبنائهم مبنية على الثقة والتفاهم والود المتبادل. مبالغة كبيرة وتحدث «د.أبوبكر باقادر» -أستاذ علم الاجتماع- قائلاً: إن بعض الآباء كانت لبداياتهم الصعبة وعصاميتهم الأثر الكبير على طريقة تعاملهم مع تلك الأموال، إذ جعلتهم ينظرون إلى المال نظرة فيها كثير من المبالغة والتبجيل، مما يجعلهم مشغولين بها للحد الذي يجعلهم يبعدون أبناءهم عن دائرة تنمية المال وزيادة الثروة، كونهم يخشون عدم معرفتهم بالتصرف بها، وهم مع ذلك حريصون على توفير طلبات أبنائهم ببذخ زائد دون توجيه أو محاسبة، مضيفاً: «البعض الآخر يجد أن جمع المال وكنزه يشكل نوعا من الأمان لتأمين نجاحه الذي حققه، الذي يُشكّل أهم انجازاته، مما يعني أنهم ينظرون إلى هذا المال بأنه ينبغي أن يتراكم ويزداد دون أن يصرف منه ويستمتع به، مما سيولد نوعا من الحرمان لدى أبنائه»، مؤكداً على ان هذا «التقتير» يجعل الأبناء عاجزين عن التعامل مع هذا المال أو حتى يعرفوا حدود الاستمتاع به، مبيناً أنه عندما يتوفى الأب وتؤول الأمور إلى هؤلاء الأبناء نجدهم يندفعون في الصرف والاستهلاك الزائد، كونه جاءهم دون تعب، وأيضا كونهم لم يشركوا في كيفية تدبير المال، فكانت أكثر قراراتهم خاطئة وأوقعتهم في ديون وقروض أثقلت كواهلهم. تعالٍ وكبر وأوضح «د.باقادر» أن انتقال المال بشكل مفاجئ وبدون تعب إلى الأبناء قد يحدث تغيراً كبيراً في نفسية الأبناء وأفعالهم، فمنهم بمجرد حصوله على إرثه يبدأ بالتغير على من حوله ويصيبه التعالي والكبر، ومنهم من يكون محل طمع واستغلال بعض النفوس، باعتباره مصدرا لسعادتهم حتى وإن كان مصدرا مؤقتا، فيقال له المديح ويعطى الاهتمام المبالغ فيه، فيشعر أن له قيمة وأهمية كبيره عند الناس، وهذا قد يدفعه إلى أن ينظر إلى نفسه أعلى مما هي عليه، مضيفاً أن تأثير هذا الانتقال غير المحسوب عواقبه لا يقف تأثيره على حياة ومستقبل الأبناء فقط، بل يذهب ضحيته غالباً عدد من الموظفين، فهذا المال يشكّل مؤسسة تجارية كبيرة، ولابد من المحافظة عليه، مُشدداً على أهمية توزيع المبلغ عبر طريقة مدروسة ومنظمة، كونه يُعيل أعدادا كبيرة من الأسر. إشراك الأبناء وشدّد «فضل البوعينين» -مستشار اقتصادي- على ضرورة إشراك الأبناء في إدارة الأعمال، ثم يكون الأب الرقيب عليهم في حياته، وبما يكسبهم الثقة والمعرفة وحسن التدبير، الذي يقود للمحافظة على تلك الثروة بعد غيابه، فمن يكدح ويعمل يعي تماماً قيمة المال الذي بين يديه، مضيفاً: «أما أولئك المهمشون، ومن تسقط عليهم الثروة فجأة؛ فهم معرضون لخسارتها بسبب سوء التدبير والتبذير»، مبيناً أن لتجسير الهوّة بين أفراد الأسرة ينبغي أن يشرك الأب أبناءه في إدارة أمواله وتنميتها والمحافظة عليها، كما يجب أن لا يحرمهم منها، فالحرمان قد يقود إلى تبذير الأموال بمجرد انتقالها لهم، مؤكداً على أن غياب الأب يحدث فراغاً كبيراً بين الأبناء، ويؤثر سلباً على إدارة الثروة التي آلت إلى أبنائه؛ وهو أمر خطير يجب على كل ثري أن يتنبه له؛، فالآجال مكتوبة، ومن الأفضل الاستعداد للمرحلة اللاحقة، بدلاً من تجاهلها، خاصةً أن اكتساب المال بسهولة يؤدي إلى خسارته بسهولة. وأشار إلى أن كثيرا من الأبناء يحافظون على ثرواتهم التي آلت لهم بالتركة؛ وبعضهم لا يحسنون إدارتها ويخسرونها سريعاً، وهذا يعود لعدة أسباب؛ منها كفاءة الأبناء وصلاحهم ومعرفتهم بالتدبير، إضافةً إلى عدم حصولهم على التوجيه الأمثل من الآباء.

مشاركة :