خلافات المعسكر الحداثي تهدّد نفوذ الدولة العميقة في تونس

  • 9/25/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - خرج الخلاف بين مكونات المعسكر الحداثي في تونس إلى العلن بعد خسارة الانتخابات الرئاسية في دورتها الأولى، وهو أمر لا يهدد مصالح مرشحين خاسرين مثل وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي الذي حث رئيس حكومته يوسف الشاهد على الاستقالة بعد الخسارة، ولكن بات يهدد نفوذ المنظومة العميقة التي بدأت تدفع الثمن بالطريقة نفسها التي تدفع بها حركة النهضة الإسلامية الثمن من تآكل رصيدها الشعبي. وطالب الزبيدي باستقالة رئيس الحكومة، رافضا التنسيق معه للانتخابات التشريعية المقررة في 6 أكتوبر المقبل، محملا إياه مسؤولية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد ونتائجها على المنظومة العميقة. وقال متابعون للشأن السياسي التونسي إن الخلاف على السطح يبدو بين الزبيدي والشاهد، ولكنهما باتا عنوانا لتفكك الدولة العميقة السياسية والحزبية التي حكمت البلاد، وتراجع أداؤها بشكل مثير للاستغراب بعد أن فازت في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 2014، وقادها الصراع على المناصب إلى التشظي خاصة بعد أن فقدت سندها السياسي الجامع بوفاة الرئيس الباجي قائد السبسي. وحل الزبيدي رابعا في الدور الأول بـ10.7 بالمئة من الأصوات، تلاه الشاهد بـ7.38 بالمئة، بينما تأهل إلى الدور الثاني (لم يتحدد موعده بعد)، كل من قيس سعيد (مستقل)، أستاذ قانون دستوري، بـ18.4 بالمئة، ونبيل القروي (رئيس حزب قلب تونس)، رجل أعمال وإعلام، بـ15.58 بالمئة. وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية ركزت حملة الزبيدي على انتقاد الشاهد في إشارة واضحة إلى أن رئيس الحكومة كان يتمسك بترشيح نفسه رغم أن التوجه العام داخل الدولة العميقة كان لفائدة الزبيدي الذي تم التسويق له كمرشح نظيف لا يتحمل أخطاء حكومات ما بعد 2014 رغم كونه وزيرا فيها، وهذا ما يفسر حدة الخطاب الذي وجهه وزير الدفاع لرئيسه في الفريق الحكومي الذي يستمر بإدارة شؤون البلاد بانتظار نتائج السباق الانتخابي ككل. وقال الزبيدي، عبر صفحته على فيسبوك “تابعت الدعوة التي توجه بها إليَّ السيد يوسف الشاهد من أجل إنقاذ تونس”، ويهمني أن أوضح أن من تسبب في تأزيم الوضع الاقتصادي وفي تدهور الوضع المعيشي للمواطنين وفي تدمير الحياة السياسية والحزبية هو (الشاهد) جزء من المشكلة ولا يمكن أن يكون جزءا من الحلّ وأن مبادئ الديمقراطية تقتضي منه أن يعترف بفشله وبمسؤوليته ويستقيل من منصبه”. ووجه الشاهد، الجمعة، دعوة للزبيدي إلى “الجلوس على طاولة الحوار، وتوحيد الجهود بهدف إنقاذ البلاد”. وبشأن الانتخابات التشريعية، دعا الزبيدي إلى مساندة ما أسماه “بكل القوى الديمقراطية والوسطية والحداثية والقائمات (القوائم) المستقلة التي ساندتني في حملتي الانتخابية، ومنها آفاق تونس ونداء تونس ومشروع تونس”. وقال الشاهد، خلال برنامج حواري على راديو موزاييك أف أم (خاص) “رغم الكلام الخطير الذي قيل في حقي من قبل الزبيدي فإنني سأتجاوز ذلك بهدف توحيد الصفوف والدخول إلى الانتخابات القادمة موحدين حتى لا تتشتت الأصوات وذلك حتى تتمكن العائلة الديمقراطية من تكوين كتلة برلمانية وازنة”. وقلل منجي الحرباوي، الناطق الرسمي باسم حركة نداء تونس، من أهمية الخلاف بين الشاهد والزبيدي معتبرا أنه خلاف عادي قد لا يؤشر إلى تفكيك العائلة الوسطية التقدمية، كونه خلافا تنافسيا حول الاستحقاق الانتخابي. وقال الحرباوي في تصريح لـ”العرب” إنه يأمل في أن يقع تجاوز هذا الخلاف وغيره من الخلافات داخل العائلة التقدمية، محذرا من أن النمط المجتمعي في البلاد مهدد بوصول بعض الأطراف المتطرفة سواء من اليسار أو اليمين إلى سدة الحكم في الانتخابات الرئاسية أو التشريعية. وعبر عن أمله في أن “تتحد هذه العائلة من جديد”، كاشفا عن أن نداء تونس لديه “مبادرة لتجميع الطيف الديمقراطي الوسطي” بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وإلى الآن فشلت العائلة الوسطية في تحديد موقف واضح من دعم القروي الذي هو أقرب لها بالرغم من الخلاف معه، في المقابل حسمت حركة النهضة أمرها باتجاه دعم قيس سعيد على أمل الاستفادة من رصيده الانتخابي في التشريعية. ويعتقد المراقبون أن المنظومة القديمة تعيش اختبارا حقيقيا خلال هذه الانتخابات، خاصة أن خصمها الذي توحدت ضده في 2014، أي حركة النهضة، يعيش حالة من التراجع في وقت حسم فيه الشباب الغاضب نتيجة الدور الأول من الانتخابات الرئاسية لفائدة قيس سعيد، ويمكن أن يستمر في التصويت العقابي ليدفع بأصواته إلى مجموعات غير حزبية أكثر تشددا، ما يجعل البلاد في الطريق إلى المجهول. وأقر نبيل بالعم، رئيس الغرفة الوطنية النقابية لاستطلاعات الرأي، مدير “مرود كونسيلتنغ” (خاصة)، بوجود اندفاع شبابي في هذه الانتخابات. ورأى بالعم أن “نتائج الانتخابات تعتبر ثورة شباب أعطى كلمته وعبر عن موقفه ضد الفشل الحكومي على مستويات عديدة اجتماعية واقتصادية، وبالتالي فهو اليوم يريد التغيير، وهو ما جعله يقوم بتصويت عقابي لكل الطبقة السياسية على اختلافها معارضة وحكومة”. وأوضح أن “وسائل التواصل الاجتماعي قامت بدور كبير وقد لا حظنا ديناميكية قوية اقتربت أكثر إلى فئة الشباب بشكل فاق كل التصورات”.

مشاركة :