آثار التطورات التكنولوجية المعاصرة على الإنتاجية في دول مجلس التعاون الخليجي (2-3)

  • 9/30/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ما فتئت دول مجلس التعاون الخليجي تسعى للنهوض بإنتاجية مواطنيها، فهي وان حققت العديد من الإنجازات التنموية المشهودة في تاريخها الحديث، ونجم عنها ارتفاع كبير في رفاهية ومستويات المعيشة للسكان، بحيث واكب متوسط دخل الفرد فيها مستويات الدول المتقدمة، وتمكنت من تشييد بنية تحتية متطورة، وحققت مواقع متقدمة في الكثير من المؤشرات الاقتصادية العالمية، واصبحت رقما مهما في الامن الاقتصادي العالمي لا سيما امن الطاقة، الا انها مازالت تعاني من مشكلة تدني انتاجية عمل مواطنيها، التي تعد من التحديات المستعصية التي تواجه دول المجلس، وأسهمت بشكل كبير في تشويه سوق العمل وبالتالي الاختلال بالتركيبة السكانية عبر اعتمادها على العمالة الوافدة، ما قاد الى ارتفاع معدلات البطالة بين المواطنين الخليجيين، وتدني معدل مشاركة اليد العاملة الوطنية في إجمالي قوة العمل الوطنية، وحد من تنافسية اقتصاداتها، وهو يعد أحد العوائق الرئيسة لنجاح استراتيجياتها التنموية، على الرغم من انها بذلت جهودا كبيرة في مجالات التدريب والتأهيل والتحفيز واعداد الدراسات العلمية والمهنية التي يمكن ان تساعدها في معالجة مشكلة انخفاض الانتاجية، وقد سبق ان اتخذ المجلس الاعلى لدول مجلس التعاون الخليجي، في دورته الـ(36) التي عقدت بالرياض في فبراير 2016 م قرارا، بإجراء دراسة معمقة حول سبل النهوض بإنتاجية المواطن الخليجي لتعتمد كخريطة طريق لدول المجلس، وتم اعداد تلك الدراسة من قبل فريق متخصص بإشراف الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لدول مجلس التعاون الخليجي والتي توصلت الى عدة توصيات منها: ضرورة تحديد وتصميم مقاييس للإنتاجية تناسب الاقتصاد الخليجي، وأن يتم قياس الإنتاجية وفقاً للأنشطة التي تحقق القيمة المضافة في الاقتصاد الخليجي، ودعت الى إنشاء مرصد متخصص في الإنتاجية على مستوى دول المجلس، والتنسيق بين المجالس الاقتصادية وهيئات الإحصاء ووزارات العمل، لإنشاء مراكز وطنية للإنتاجية. واوصت بضرورة الاستفادة من التجارب الناجحة لمراكز ومنظمات وهيئات الإنتاجية في البلدان ذات الإنتاجية المرتفعة، كما دعت الى إعادة هيكلة اقتصادات دول المجلس، وتخفيض الاعتماد على النفط والغاز كمصادر للدخل الوطني. ودعت الى تنويع الاقتصادات الخليجية من خلال تحفيز القطاع الخاص، واستقطاب الاستثمار الأجنبي، وتعزيز الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص . كما اكدت الدراسة ضرورة تضييق الفجوة بين بيئة العمل في القطاعين الخاص والعام من حيث الأجور وساعات العمل والإجازات بما يجعل القطاع الخاص اكثر جاذبية للمواطن الخليجي، ورفع كلفة استقدام العمالة الوافدة وتحفيز القطاع الخاص لاستخدام المزيد من التقنية ورأس المال بدلاً من العمالة الوافدة الرخيصة. ودعت الحكومات الخليجية الى الحد من توسع القطاع العام، ومعالجة الترهل الوظيفي في الأجهزة الحكومية. كما اوصت بضرورة تيسير القوانين والتشريعات الخاصة ببيئة العمل والاستثمار الأجنبي، وتفعيل سياسة الحد من الاحتكار، ورفع القيود على المنافسة الداخلية. وإدخال إصلاحات جذرية في برامج التعليم، وتطوير المناهج في المدارس والجامعات ومختلف المؤسسات التعليمية، والتوسع في التخصصات الجامعية المطلوبة لسوق العمل، وزيادة مساهمة المرأة في سوق العمل وحسن توظيفها في القطاعات المنتجة، وتكثيف استخدام التقنية في العمليات الإنتاجية والاتجاه بقوة إلى التحول نحو الاقتصاد المعرفي. وغيرها من التوصيات المهمة والمؤثرة، الا ان ما وجد طريقه الى التنفيذ كان جزءا يسيرا منها. كما تتواصل دول المجلس سنويا في تنظيم المؤتمرات العلمية والمهنية الهادفة الى زيادة الانتاجية، والتي كان آخرها انعقاد المؤتمر الخليجي التاسع لتطوير إنتاجية الكوادر البشرية، الذي عقد بسلطنة عمان، يومي (26و27) أغسطس 2019 تحت عنوان «الابتكار المؤسسي وتوظيف التكنولوجيا لتعزيز الإنتاجية»، وتضمن عدة محاور منها: استعراض لآخر مستجدات أدوات ومعايير قياس الأداء والإنتاجية، والتعرف على التطبيقات والحلول المبتكرة لإدارة الوقت ورفع الإنتاجية، وبيان اثر مثلث الإبداع لتعزيز الإنتاجية (بيئة العمل، الموظفين، التواصل الفعال)، والتحول الرقمي لمستقبل الأعمال، وغرس ثقافة المرونة والتبني لرفع إنتاجية الموظف، والذكاء الاصطناعي وأثره على الإنتاجية، وقدمت في ختام المؤتمر خمس أوراق عمل الأولى بعنوان: «تجربة التميز في رفع الإنتاجية» والثانية بعنوان: «تطوير خارطة الإجراءات والعمليات لإنتاجية متميزة» والثالثة بعنوان: «رفع الكفاءة والإنتاجية من خلال الابداع والابتكار»، والرابعة بعنوان: «أهمية الابداع والابتكار في بيئة العمل» والخامسة بعنوان: «أثر إدارة الوقت في رفع جودة الأداء الوظيفي»، وغيرها من المحاور التي قدمها نخبة من المفكرين والخبراء والمختصين من دول مجلس التعاون الخليجي. وهي في اغلبها تدور حول كيفية استثمار الوفورات التي تحققها التطورات التكنولوجية الراهنة في رفع انتاجية المواطن الخليجي، وتجاوز كبوته المزمنة. وهذا ما سنتعرض له في المقالة القادمة ان شاء الله. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي.

مشاركة :