النهضة تبحث عن... راعيها | مقالات

  • 5/4/2015
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

كنت قبل أيام أتجول في مدينة فلورنسا الإيطالية، وهي مدينة ثقافية بامتياز، ترمز إلى عصر النهضة وعصر التنوير أو الأنوار كما يسمى بالأدبيات العربية أحياناً، والمدينة مفخرة لأسرة المديتشي ذات النفوذ التجاري والمالي، التي رعت الثقافة والفنون والآداب، ورعت فنانين عظماء مثل مايكل أنجلو وليوناردو دافنشي، وتساءلت أثناءها: هل تحقق ذلك بفضل المديتشي فقط؟ فعصر النهضة هو حركة ثقافية استمرت من القرن الرابع عشر إلى القرن السابع عشر، حيث بدأت مع أواخر العصور الوسطى، وشهدت ازدهاراً في الأدب ونهضة في العلوم وتطور الرسم والإصلاح التعليمي، رغم الردات والتعقيدات والصراع بين بذور «الطبقة التجارية الناشئة» والطبقة الإقطاعية المحافظة، التي حاربت التحديث والنهضة والفنون والآداب مستندة على سلطة الدين والكنيسة، التي كان لها تأثير معنوي كبير على الجماهير البسيطة. فهل كان المديتشي مجرد رعاة مهتمين بالفنون والآداب، أم أن الظرف الموضوعي الذي فرضه الصراع بين الإقطاع المحافظ على مصالحه، وبين بذور البرجوازية التي تطمح إلى التطور والتقدم والحداثة، أيضاً لتحقيق مصالحها، بمعنى أنه ليس نابعاً من الذاتي بل من الموضوعي في الأساس، مع أننا لا يجب تهميش العنصر الذاتي في النهضة ودور الفرد في التاريخ، فهل كان هذا أم ذاك العامل في قيام النهضة؟ هذا بالطبع ينطبق على أوروبا بدرجات متفاوتة وأزمان مختلفة، حيث نشأت الرأسمالية وتطورت واستقطبت الفلاحين كي يكونوا عمالاً في الإنتاج البضاعي البسيط في البداية، وحتى ظهور المانيفاكتورة ثم المصنع، لكن في البلدان الأخرى مثل الشرق الأوسط، لا توجد هكذا معطيات بل تعتبر طبقتها الرأسمالية طفيلية وغير منتجة، واقتصاد بلدانها ريعياً وقد تحتاج إلى قرون حتى تصل إلى مستويات تطور الرأسمالية والقوى المنتجة في البلدان الغربية، وهنا يقترح المفكرون والاقتصاديون طرقاً بديلة للوصول إلى التقدم ومن ثم إلى مجتمعات العدالة الاجتماعية. استغرق الصراع مع الإقطاع أكثر من أربعمئة سنة في أوروبا، والتخلص من سيطرته وأداته وقاعدته المتمثلة بالكنيسة، وكان نسيجاً متشابكاً ومعقداً من الأفكار التنويرية المستندة على واقع موضوعي متغير، توج بالثورة الفرنسية التي انتصرت على الواقع والعلاقات المتخلفة في الإنتاج والتوزيع، وفتحت الباب على مصراعيه للثورة الصناعية. النهضة قد تحتاج في وقت ما إلى الفئات التجارية التي يطلق عليها البرجوازية الوطنية، وهذا ما حدث في دول الشرق الأوسط في القرن الماضي، لكن حالما تصبح هذه الفئة جزءاً من تحالف السلطة، حتى تنقلب على مصالح الشعوب، وتتنكر للحداثة والإصلاح التعليمي والتطور الديموقراطي، فهي لا تعود بحاجة إليها بل تحولت إلى فئة محافظة تحارب حركة الشعوب الثورية والإصلاحية. فليس من مصلحة الفئات التجارية والمالية والعقارية، إصلاح التعليم أو الإنفاق على بنى تحتية أو تطوير الخدمات الصحية، فهذا يقلل من حصتها في الكعكة، هي تريد اقتسام الثروة بدون معوقات ومطالبات، ولذا تتهم الحركات الشعبية السلمية المطالبة بالإصلاحات بالغوغائية ومثيري الشغب. إن الحديث عن النهضة اليوم يتطلب رعاة من نوع آخر، هي الأحزاب السياسية الممثلة لمصالح الشعوب وفئاتها الشعبية محدودة الدخل، وهذا ينطبق على وهم من يراهن على الزعامة الكارزماتية، لانتصار الثورات العربية، التي ما زالت تواجه تعقيدات وتحالفات مضادة، ولكن طريق التقدم طويل ومتعرج، ولن يتحقق بوجود مديتشي جدد أو بزعامة جديدة، بل بنضال الشعوب الدؤوب، تقودها الأحزاب الطليعية وستحقق النهضة التي تصبو إليها عاجلاً أم آجلاً. وليد الرجيب osbohatw@gmail.com

مشاركة :