التنبؤات .. مستقبل وردي «3 من 3»

  • 10/3/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يمكن أن تكون انعكاسات التحيز للتفاؤل في تنبؤ النمو كبيرة، حتى لو كان التحيز معتدلا في حدود نقطة مئوية واحدة مثلا للعام الواحد. ولننظر مثلا إلى بلد يقوم في ظل السياسات الراهنة -وبافتراض معدل نمو معين- بالمحافظة على نسبة مستقرة للدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي، لنقل مثلا إنها 50 في المائة على مدى العشرة أعوام إلى الـ20 المقبلة. فإذا انخفض في الواقع النشاط الاقتصادي بمقدار نقطة مئوية واحدة في العام عن المعدل المتوقع وبافتراض أن حدوث تراجع نسبته نقطة مئوية واحدة يؤدي إلى زيادة العجز بنسبة 0.3 نقطة مئوية من إجمالي الناتج المحلي "وهو افتراض لا يخرج عن المعتاد بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة" ففي تلك الحالة ترتفع نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي إلى أكثر من 70 في المائة بعد عشرة أعوام، وإلى أكثر من 120 في المائة بعد 20 عاما مع تضخم العجز". بعبارة أخرى، تكون أخطاء التنبؤ بالنمو الاقتصادي بهذا الحجم كبيرة بما يكفي لتحويل بلد يمضي على مسار مستقر للدين إلى بلد معرض لمخاطر حدوث أزمة في المالية العامة "ولنفترض هنا لأغراض التبسيط أن سياسة المالية العامة لا تكون مشددة استجابة لتراجع نمو إجمالي الناتج المحلي". من الممكن أن نقيم بصورة مباشرة جودة التنبؤات الماضية بعد مرور فترة كافية من الوقت لمشاهدة نتائج النمو الفعلية. وتبين دراسة التنبؤات على مدى خمسة أعوام، أعدت في الفترة بين عامي 1990 و2007 لمجموعة 188 بلدا من قاعدة بيانات آفاق الاقتصاد العالمي الصندوق النقد الدولي أن الاقتصاديين كان لديهم سجل أداء متسق إلى حد كبير من التنبؤات المتفائلة. وعلى وجه الخصوص، فإن أخطاء التنبؤ -أي الفرق بين النمو المتنبأ به والنمو الفعلي- غالبا ما تكون موجبة في جميع الآفاق "باستثناء عدد للتنبؤات الوسيطة للعام الراهن"، مع زيادة التحيز الموجب مع طول فترة الأفق. لماذا يعد الاقتصاديون تنبؤات متفائلة بانتظام، بإعطاء ثقل أكبر لأداء النمو الأخير مما تبرره التجربة التاريخية في بعض أوجه المسألة؟ يمكن القول إن التفاؤل سمة مشتركة ترتبط بالطبيعة البشرية، وربما كانت مغروسة فينا بواسطة الانتخاب الطبيعي. على أي حال، فكما تخبرنا شاروت يبدي الأشخاص تحيزا للتفاؤل يوميا في مختلف جوانب حياتهم الشخصية. لكن بخلاف هذه الخصائص الغريزية لدى الإنسان، تختص بعض العوامل على وجه التحديد بالسياق الذي يعد فيه الاقتصاديون الاحترافيون هذه التنبؤات ويدافعون عنها. على سبيل المثال، بالنسبة للبلدان مثل الصين ونيجيريا، اللتين سجلتا معدلات قوية للنمو الاقتصادي على مدى العقد الماضي، سيجد معدو التنبؤات صعوبة في الدفاع عن تعليل توقعاتهم بانخفاض النمو بدرجة كبيرة في الفترة المقبلة دون حدوث تغيرات تذكر في عوامل النمو الأساسية الكامنة مثل جودة المؤسسات ورأس المال البشري. وبالعكس بالنسبة للبلدان التي تراخى فيها النمو لبعض الوقت -ربما بسبب أزمة اقتصادية أو سياسية، أو حتى حرب أهلية- لا يرجح أن يكون معد البيانات قادرا على أن يفترض أن صدمات معاكسة مشابهة، أو إحداث طرف المنحنی ستحدث ولا يرجح أن يكون مستعدا لوضع ذلك الافتراض. ويمكن أيضا أن تستند تنبؤات النمو إلى افتراضات مفرطة التفاؤل بشأن السياسات، منها على سبيل المثال أن الحكومات ستفي بوعود الإصلاح التي قطعتها أو أن البرامج التي يدعمها صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي ستكون ناجحة، بينما يكون الواقع مختلفا. هل توجد جدوى من التنبؤ بالنمو في الأجل الطويل إذا كانت "الأخطاء" أكثر من "الإصابات"؟ لقد قال خبير الرياضيات الفرنسي هنري بوانكاري ذات مرة "من الأفضل بكثير أن نتنبأ حتی دون يقين من ألا نتنبأ إطلاقا". ربما يتعين على المعنيين بوضع التنبؤات وتفسيرها كصناع السياسات والمستثمرين الدوليين النظر في إمكانية تصحيح رؤيتهم متحيزة التفاؤل أو على الأقل زيادة التركيز على سيناريوهات بديلة أقل تفاؤلا في مناقشاتهم. ومن الطرق الممكنة للتشجيع على الاستفاضة في مناقشة تنبؤات السيناريو الأساسي أن يتم التركيز على التساؤل عن "السبب الذي سيجعل هذا البلد مستمرا في مقاومة الارتداد إلى المتوسط ومواصلة النمو بسرعة أكبر من المتوسط؟" بدلا من التساؤل الأكثر شيوعا عن "السبب الذي يستدعي تباطؤ النشاط في هذا البلد على الرغم من عدم حدوث أي تغيرات أخرى؟" وينبغي كذلك أن تنطوي المناقشات المعنية بالسياسات على مزيد من التركيز على سيناريوهات الصدمات المعاكسة أو انخفاض النمو، والمتضمنة بالفعل بصورة روتينية في التحليل الذي تضطلع به بعض المؤسسات "بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي". بشكل أعم، فكما هو مألوف بالفعل في بعض الشركات متعددة الجنسيات، سيكون من الحكمة فيما يبدو تحويل هذا التركيز إلى معرفة مدى جودة أداء السياسات واستراتيجيات الأعمال في مختلف السيناريوهات، بدلا من التركيز على تنبؤات السيناريو الأساسي.

مشاركة :