في الوقت الحاضر، يبدو أن واضعي التنبؤات لديهم رؤية حذرة، إزاء زيادة النمو الناتجة عن التقنيات الجديدة على مدار العقد المقبل، ما يتسق مع رؤية المتشائمين من التكنولوجيا أكثر من المتفائلين بها. وبدلا من زيادة الإنتاجية بدفعة من التكنولوجيا، يتوقع أن يزداد انخفاض النمو. وهذا التشاؤم يمكن أن يكون انعكاسا للوعي بضعف نمو الإنتاجية، والاتجاهات الديموغرافية ذات الأثر السلبي المتزايد، وآفاق الاستثمار المتدنية، و يؤثر في النمو العالمي الممكن في الأعوام المقبلة. وبالطبع، قد تكون هناك تفسيرات أخرى للتنبؤات، التي تزداد تشاؤما في عصر يسوده التغير التكنولوجي السريع. فأولا، قد يقيس واضعو التنبؤات توقعاتهم للنمو بمعيار نمو الإنتاجية المنخفض أخيرا، لكن هذا المؤشر قد يكون مقدرا بأقل من قيمته بسبب خطأ القياس. وقد لخص الاقتصادي روبرت سول، الحائز جائزة نوبل، قضية القياس تلخيصا جيدا حين قال: "يمكنك أن ترى عصر الكمبيوتر في كل مكان إلا في إحصاءات الإنتاجية". ثانيا، قد لا يستطيع واضعو التنبؤات توقع تأثير التغيرات التكنولوجية الكبيرة في الإنتاجية ونمو الناتج، لأن هذه الأنواع من التغيرات، كالاستخدام الواسع للكهرباء والسيارات، نادرة وعندما تحدث فإن تأثيرها في المستوى الكلي للنمو والإنتاجية لا يستشعر سوى تدريجيا. علاوة على ذلك، فإن الدراسة الكمية لآثارها في آفاق النمو تتطلب إدخال تحسينات على أدوات وبيانات الاقتصاد القياسي التي لا تتوافر في الوقت الحالي. ويعزو كلا التفسيرين الجانب الأكبر من الانخفاض إلى نقص المعلومات الجيدة. أما التفسير الثالث فهو حميد بدرجة أقل، وهو أن الرياح المعاكسة الهيكلية الناجمة عن الاتجاهات الديموغرافية السلبية، وتباطؤ نمو الاستثمار، وركود الإنتاجية نتيجة للتكنولوجيات الحالية المستخدمة على نطاق واسع قد تضعف آفاق النمو لدرجة أن يعجز حتى التحسن الكبير في الإنتاجية بفضل التكنولوجيات الجديدة عن تحقيق نمو قوي على المدى الطويل. وقد يعني ذلك أن التكنولوجيات الجديدة لا تزال غير ناضجة بما يكفي لاستخدامها على نطاق واسع لأغراض تجارية عامة، وأن انتشارها يتطلب فترات زمنية طويلة وغير مؤكدة. وقد يعكس ذلك أيضا وجود معوقات تحول دون اعتماد شركات التكنولوجيات الجديدة مثل قيود التمويل وضعف مهارات العمالة. وبغض النظر عن هذه التفسيرات، فإذا كان في الأداء السابق ما يمكن الاسترشاد به، يمكن القول، إنه حتى هذه التنبؤات طويلة الأجل بما تبديه من تشاؤم متزايد قد يتضح أنها متفائلة في نهاية المطاف، لأن النمو يأتي مخيبا للآمال من جديد مثلما حدث في العقدين الأخيرين. وثمة رسالة واحدة واضحة في هذا السياق: النظرة التي يغمرها الأمل بشأن النمو العالمي في المستقبل تعتمد على حدوث تحسن كبير في الإنتاجية المقايسة لتعويض المعوقات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد العالمي. إن التغير التكنولوجي السريع قد يجلب في نهاية المطاف عصرا جديدا من الرخاء العالمي. لكن بدلا من انتظار قدوم هذه الحقبة الجديدة، يجب على صانعي السياسة التحرك الآن باتخاذ إجراءات لتعزيز النمو الممكن للاقتصاد. وبالروح نفسها التي قامت عليها مقولة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور "إن الخطط عديمة القيمة، لكن التخطيط هو كل شيء"، نقول، إن الحكومات ينبغي أن تستعد للأسوأ، حتى لو كان التأثير الفعلي للتكنولوجيات الجديدة لا يزال غير معلوم. وهذا يعني ضمنا أن الحاجة ملحة إلى المضي قدما في تنفيذ مبادرات للتعجيل بتحقيق منافع نمو التكنولوجيات الجديدة. وتشمل هذه المبادرات زيادة الاستثمار في رأس المال البشري والتوسع في استثمارات البنية التحتية لتيسير استخدام التكنولوجيات الجديدة، إضافة إلى تحسين المؤسسات واللوائح لتلبية احتياجات التغير التكنولوجي.
مشاركة :