حوار: نجاة الفارسعبّرت الروائية السورية الدكتورة شهلا العجيلي، عن سعادتها بوصول أعمالها للمرة الثانية للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» في نصين متتاليين، قائلة: «إن هذا يجعل أمامي تحديات كبيرة في مجال الكتابة والاستمرارية فيها». وأضافت في حوار ل«الخليج» أن المرأة الروائية تستطيع تفكيك العالم وإعادة تشييده، ولفتت إلى دور الناقد قائلة: الناقد مسؤول أمام التاريخ والثقافة والمعرفة، موضحة: إن الدراسات الثقافية فتحت أمامها أبواباً معرفية لطبيعة الإنسان، وإن النساء حاضرات بقوة في رواياتي، وأنا أروي بأصواتهن، وأنا أحب البطل الحيوي الذي له علاقة عضوية بحياتنا، وثقافتنا العربية، وخبراتنا، وهمومنا ومشاكلنا.وقالت العجيلي: أنا لست عنيفة في مواجهاتي؛ لكن أقول ما أريد أن أقوله، بطريقتي وبرؤيتي الفنية؛ لذلك أكتب روايات، ولو كنت أريد المواجهة لكنت تحولت إلى خطيب سياسي، مؤكدة أن الشجاعة مهمة في الكتابة، وأن الرواية الجيدة سبيل للتنوير، وهي تحسن الذائقة المعرفية والفنية. وشهلا العجيلي روائية سورية حاصلة على الدكتوراه في الدراسات الثقافية من جامعة حلب، أستاذة للأدب الحديث بالجامعة الأمريكية في الأردن، وصلت روايتاها: «سماء قريبة من بيتنا»، و«صيف مع العدو»، إلى القائمة القصيرة ل (البوكر)، وترجمت بعض أعمالها إلى الإنجليزية والألمانية، وحصلت روايتها «عين الهر» على جائزة الدولة الأردنية في الآداب 2010، وصدر لها في الرواية «سجاد عجمي» 2012، وفي القصة القصيرة مجموعة «المشربية» 2005، وحصلت مجموعتها «سرير بنت الملك» على جائزة الملتقى - الجامعة الأمريكية بالكويت 2017، وهي أرفع جائزة عربية للقصة القصيرة، ولها مؤلفات في النقد والدراسات الأكاديمية، والأبحاث المحكمة في المجلات، والدوريات العربية، والعالمية. ماذا يمثل لك الوصول مرتين إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر»؟ هو مؤشر إلى أن أسلوبي في الكتابة والثيمات التي أطرحها محبذة، وناجحة، ولها صدى لدى جمهور النقاد والمتلقين، وهذا يحثني على مزيد من الأساليب والفنيات، وأنا سعيدة بوصول أعمالي للمرة الثانية في نصين متتاليين، وهذا يضعني أمام تحديات كبيرة في مجال الكتابة والاستمرارية فيها، فالتطوير ليس بالأمر الهين، وأن يكون لديك هذا الجمهور من القرّاء في كل مكان من العالم، هي مسؤولية فعلاً، وهذا يتطلب عملاً متواصلاً. يقال إن الحروب تنتج المزيد من الكوارث، لكنها أيضاً تنتج أدباً فريداً ما تعليقك؟ للأسف، نعم، والحروب تنتج جمالاً؛ لكنه جمال في التراجيدي، وفي المعاني الوجودية وسؤال الوجود، وماهية الكينونة البشرية، والخير والشر، هذه الأسئلة التي تهم علم الجمال توجد بكثافة في الحروب، وفي المنعطفات التاريخية، والفن يحب هذه المنعطفات، في الحقيقة، نحن لا نستطيع أن نوقف الحروب، ولكن نستطيع أن نطرح المفارقات بين الجميل، والقبيح، وبين الحياة والموت، وأسئلة الوجود الكبرى. كيف تنظرين إلى مشهد النقد الأدبي عربياً؟ يمكن أن نميز بين مستويات في النقد الأدبي، النقد المنهجي المدرسي الأكاديمي، والمراجعات النقدية التي لها أدواتها الخاصة، مثلما نجد في مراجعات الصحف، هناك الكثير من الإنتاج؛ لكن النقد الأكاديمي يتمهل كثيراً، يخضع لأدوات نقدية ونظرية، وهذا لا بد منه؛ لأنه الأصل، المراجعات الصحفية يجب أن يتحلى أصحابها بأدوات معرفية لائقة؛ لكي نستطيع أن نغطي هذه المساحة الواسعة من الإنتاج الأدبي، ولكي نستطيع أن نغربل ما يكتب؛ لأن الناقد مسؤول أمام التاريخ، وأمام الثقافة والمعرفة، أما نقد المجاملات، فأنا لا ألقي له بالاً. كيف تختارين أبطال أعمالك الروائية؟ أنا أحب البطل الحيوي الذي له علاقة عضوية بحياتنا، وثقافتنا العربية، وخبراتنا، وهمومنا ومشاكلنا، وغالباً لا أحمله عبئاً بأسئلة أيديولوجية أبداً، هذه ليست طريقتي في الكتابة، أختاره بعد قراءات عميقة، ويكون متسقاً مع الزمان والمكان، والسياق التاريخي، طبعاً هذه صنعة، ولكن يجب ألا تبدو أنها صنعة في العمل الروائي، يجب أن يبدو أنه يشبه جارنا، أو تشبه الشخصية خالتي، أو عمتي، أو أي شخص من عائلتي، وعندما يقرأ المتلقي يشعر بقرب وواقعية هذه الشخصية، فأبطالي أكثرهم ينتمون إلى الواقع، وأنا أميل للكتابة الواقعية، وهذا لا يعني أنهم حقيقيون؛ لكنهم قابلون للحياة. كيف تنظرين كروائية وكاتبة إلى حرية الكتابة عربياً؟ الكاتب العربي لم يتمتع، ولا في أي مرحلة بالحرية التي يتخيلها؛ لذا، فنحن نذهب إلى الفن، الفن هو ضرب من ضروب المخاتلة، والتحايل على التابوهات، وكلما كانت هناك حواجز ومحظورات، فإن الأدباء تتفتق ذواتهم الفنية عن طرق جديدة، وأنا لست عنيفة في مواجهاتي، ولكن أقول ما أريد أن أقوله، بطريقتي، برؤيتي الفنية، وأكتب الروايات.لو كنت أريد المواجهة، كنت تحولت إلى خطيب سياسي، والفكرة هنا، أنك من خلال الجمال ومفهوم الجمال تستطيعين قول ما تريدين قوله في الحياة. ما أهم التحديات التي تواجهك ككاتبة وما طموحاتك المستقبلية؟ التحديات لا تنتهي، منها الوقت، وتحديات الحالة السياسية، والحالة البشرية، وتحديات المواءمة بين ما هو جمالي، وما هو واقعي، هذا مهم أيضاً، نحن لم نتمتع بالترف، نتكلم عن موضوعات ليس لها علاقة بالوضع الاجتماعي والسياسي، لها علاقة مثلاً بالتأمل، في الوطن العربي، نحن لم نستطع أن نملأ هذا الفراغ الروحي دائماً.. نحن مشغولون بما حولنا بالحالة السياسية والاجتماعية، بالفقر، بالاستعمار، بالاستبداد، هذه الثيمات تفرض نفسها عليك، وهذه جميعها تحديات، كل مرة أقول أريد أن أكتب عن حالة حب صافية بريئة، فيخرج لي التاريخ، وتخرج لي الجغرافيا، وكل هذه الأشياء، لكن في النهاية نصنع عملاً ينتمي إلينا، إلى حياتنا، وهذه هي التحديات، أما الطموحات، فما دام الإنسان يعيش ويتنفس، فهو حتماً لديه طموحات أن يأتي بالأجمل، ويعبر عن ذاته، وعن مجتمعه، يعبر بأدبه المحلي إلى العالمية. إلى أي مدى نستطيع أن نعوّل على الرواية لخلق الوعي لدى المجتمع؟ الرواية مهمة بغض النظر عن الفنون الأخرى، الرواية الجيدة تحسن الذائقة المعرفية والفنية، والرواية كانت أداة من أدوات التنوير منذ منتصف القرن 19، وهي أداة تحوّل، فالمجتمعات تتغير، ويجب أن نكون واعين لنقطة التحول، والحياة أيضاً تتحول، ولكن من ينتبه إلى هذه التحولات؟ الروائيون ينتبهون بفكرهم التنويري، والرواية تقدم عالماً يسحر المتلقي، وهي بالتأكيد ليست تفريغاً لشحنات عاطفية كالشعر، الرواية دم حار، وعقل بارد في الكتابة، والتلقي على حد سواء. الرواية الناجحة هو تهجين بين الموهبة والثقافة وتعلم الحرفة بالجلوس إلى المكتب والكتابة المستمرة؛ لأن ذلك يصنع عالماً جديداً، نحن لا نكتب فقط الأفكار الناجزة في رؤوسنا، الكتابة تصنع العالم، والسرد هو الذي يفتح الأبواب، ويجب على الكاتب أن يكرس وقتاً طويلاً للكتابة، وألا ييأس، وأن يجوّد ما يكتب، ويتخلى عن كثير مما كان يظنه جميلاً، من أجل الصنعة الروائية، أنا مثلاً يمكن أن أكتب الكثير من المقاطع الجميلة، وأضحي بها لأجل منطق الرواية، فأتخلى عن تلك الزيادات، رغم أنها جميلة، ولكنها لا تناسب الرواية، كما نتخلى عن الأنا في سبيل جماليات النص، نتخلى عن الكثير من ذواتنا.
مشاركة :