أرقام روسية مخيفة

  • 5/6/2015
  • 00:00
  • 17
  • 0
  • 0
news-picture

ثمة من‮ ‬يقول إن روسيا فلاديمير بوتين،‮ ‬تتحضر اليوم للقفز فوق مشاكلها الداخلية نحو نطاق عالمي‮ ‬تتطلع لريادته بين مجموعة أقطاب آخرين‮. ‬لكن روسيا وإن ورثت الكثير من مقومات الدولة العظمى عن الاتحاد السوفييتي،‮ ‬إلا أنها لم تستطع صرفها سياسياً‮ ‬واقتصادياً‮ ‬في‮ ‬إطار المنافسة مع الولايات المتحدة،‮ ‬بل ظلت مجرد دولة إقليمية كبرى عاجزة عن فرض سياسات ذات طابع عالمي‮ ‬منافس‮. ‬فالمنافسة تتطلب إمكانات فارقة،‮ ‬بدءاً‮ ‬بالاقتصاد والأمن وليس انتهاء بصور نمطية عن حضارتها وثقافتها، وهي‮ ‬بالمناسبة باتت مرتكزاً‮ ‬رئيسياً‮ ‬في‮ ‬الإعلام‮.‬ إن التدقيق في‮ ‬بعض الأرقام ذات الدلالات الاجتماعية تعطي‮ ‬صورة قاتمة لمستقبل المجتمع الروسي،‮ ‬وهو عامل سلبي‮ ‬في‮ ‬طريق أي‮ ‬قفزة سياسية دولية‮. ‬فمعضلة المخدرات مثلاً وما نجم عنها من تداعيات مقلقة تنذر بعواقب وخيمة على بنية المجتمع الروسي،‮ ‬لجهة البنيان الاقتصادي‮ ‬والسياسي‮. ‬وبخاصة بعدما تحولت هذه الظاهرة من آفة اجتماعية إلى آفة اقتصادية بأبعاد محلية ودولية‮.‬ فالمجتمع الروسي‮ ‬يستهلك ‮ 12٪ من إجمالي‮ ‬الإنتاج العالمي‮ ‬للمخدرات،‮ ‬وتصل حالات الوفيات إلى‮ 04 ‬ألف شخص من مواطنيه سنوياً‮ ‬بسببها،‮ ‬إذ‮ ‬يبلغ‮ ‬حجم تداول المخدرات في‮ ‬روسيا‮ 08 ‬مليون طن في‮ ‬العام الواحد‮. ‬وتشير تقارير أجهزة مكافحة المخدرات الروسية،‮ ‬إلى أن المخدرات تتسبب بخسائر للاقتصاد الروسي‮ ‬تصل إلى أكثر من‮ 03 ‬مليار دولار سنوياً‮ ‬من الناتج المحلي‮ ‬الإجمالي‮. ‬كما أن نحو‮ 56‬٪‮ ‬من الجرائم المرتكبة في‮ ‬روسيا لها علاقة بالمخدرات‮.‬ والأخطر في‮ ‬هذه الأرقام،‮ ‬أن روسيا تحوّلت مؤخراً‮ ‬من قاعدة وسيطة لنقل المخدرات إلى أحد أكبر مستهلكيها‮. ‬فقد كان ‮ 07٪‮ ‬من الحجم الإجمالي‮ ‬للمخدرات المهربة إلى روسيا في‮ 6991 ‬يجري‮ ‬إعادة تهريبه إلى الخارج‮. ‬فيما اليوم‮ ‬يُستهلك‮ 09٪‮ ‬منه داخلياً‮. ‬ويأتي‮ ‬أكثر من‮ ‬09٪‮ ‬من المخدرات إلى روسيا من أفغانستان وبعض جمهوريات آسيا الوسطى‮.‬ كما ترتبط تجارة المخدرات بالنشاط الإجرامي‮ ‬في‮ ‬روسيا‮. ‬فتصل إيرادات هذه التجارة في‮ ‬موسكو وحدها إلى مليار دولار سنوياً‮. ‬فيما‮ ‬يصل مبيعات المخدرات في‮ ‬عموم روسيا إلى‮ ‬7‮ ‬مليارات دولار في‮ ‬السنة‮. ‬وباتت هذه الآفة تهدد البنى الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي‮ ‬في‮ ‬البلاد‮. ‬فقد زاد عدد متعاطي‮ ‬المخدرات إلى أربع مرات،‮ ‬ووصل هذا العدد،‮ ‬بحسب المعطيات الرسمية،‮ ‬إلى أكثر من ثلاثة ملايين شخص،‮ ‬معظمهم في‮ ‬سن‮ ‬15‮ ‬إلى‮ ‬25‮ ‬سنة‮. ‬كما ارتفع عدد النساء المتعاطيات للمخدرات في‮ ‬روسيا إلى نحو‮ ‬7‮ ‬مرات،‮ ‬وارتفع عدد الجرائم المرتبطة بها خلال السنوات الخمس الأخيرة بست مرات‮.‬ كما‮ ‬يرتبط انتشار المخدرات بارتفاع معدلات الإصابة بمرض الإيدز‮. ‬وبحسب التقارير الرسمية أن‮ 09٪‮ ‬من الإصابات تحدث في‮ ‬صفوف متعاطي‮ ‬المخدرات‮. ‬إذ وصل العدد إلى نصف مليون مواطن هذا العام،‮ ‬ومن المتوقع أن تصل إلى خمسة ملايين إصابة خلال السنوات الخمس المقبلة،‮ ‬علماً‮ ‬أن‮ 09٪‮ ‬تتراوح أعمارهم بين‮ ‬51 و03 ‬سنة‮.‬ وعلى الرغم من المساعي‮ ‬الروسية الحثيثة لمكافحة هذه الآفة مع العديد من الجهات الدولية،‮ ‬إلا أن وصول هذه النسب والأرقام إلى ما هي‮ ‬عليه،‮ ‬تنذر بوضع اجتماعي‮ ‬اقتصادي‮ ‬كارثي،‮ ‬سيحد من طموحات روسيا في‮ ‬التنمية الداخلية،‮ ‬كما الطموحات الدولية،‮ ‬وهو أمر من شأنه تقويض بنية النظام الاجتماعي‮ ‬السياسي‮ ‬الذي‮ ‬تراهن سياسة فلاديمير بوتين عليها لنقل روسيا من ضفة إلى أخرى‮. ‬ لقد باتت المخدّرات القنبلة الموقوتة والسلاح ‬الأخطر في‮ ‬وجه الأمن القومي‮ ‬الروسي،‮ ‬إلى جانب الإرهاب والحصار الجيو السياسي‮ ‬عبر حلف شمال الأطلسي،‮ ‬والدرع الصاروخية الأمريكية وأزمة أوكرانيا والعقوبات الغربية‮. ‬لذا،‮ ‬من المبكر التنبؤ بمستقبل القدرة الروسية على صرفها في‮ ‬السياسات الدولية،‮ ‬وإن كانت تمتلك مفاتيح إدارة بعض الأزمات الإقليمية في‮ ‬العديد من مواقع الشرق الأوسط‮. ‬وفي‮ ‬الواقع مهما امتلكت الدول من مقدرات اقتصادية وعسكرية،‮ ‬وفي‮ ‬الوقت نفسه لا تمتلك ما تصدره من صور نمطية ذات طابع ثقافي‮ ‬أو حضاري‮ ‬للآخرين،‮ ‬ستظل دول تعيش على أضغاث الأحلام،‮ ‬وفي‮ ‬أحسن الأحوال العيش على أمجاد الماضي،‮ ‬وإن لم تكن تمتلكها هذه الدول بمفردها‮. ‬

مشاركة :