الجينات ليست وحدها المسؤولة عن الأمراض الوراثية

  • 10/11/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

يختزل الكثير من الناس أسباب انتقال الأمراض الوراثية من جيل إلى آخر في التحولات الجينية بين الآباء والأبناء. لكن البحوث العلمية والتجارب المخبرية أثبتت أن العملية برمتها تجمع العديد من العوامل المساهمة في الإصابة بالأمراض المتناقلة عبر الأجيال. برلين - تشير أصابع الاتهام إلى الجينات في حال الإصابة بأمراض وراثية، غير أن الجينات ليست وحدها المسؤولة عن الإصابة بهذه الأمراض؛ ففي الكثير من الأحيان تلعب التأثيرات البيئية ونمط الحياة دورا مهما أيضا. أوضح البروفيسور أندريه فيشر، من المركز الألماني للأمراض العصبية في جوتنجن، أن المرض الوراثي يعني وجود تغيير في التركيب الجيني، أو بمعنى آخر وجود طفرة، ويؤدي هذا بدوره إلى حدوث خلل وظيفي في الخلايا. ويفضل البروفيسور أندرياس فريتشه التحدث هنا عن الاستعداد الوراثي بدلا من مصطلح المرض الوراثي؛ حيث أكد نائب رئيس معهد أبحاث السكري بمدينة توبينجن الألمانية أن المرض الوراثي في الغالب لا بد له من مسبب. وبدوره أشار البروفيسور بيتر ليشتر، رئيس قسم الوراثة الجزيئية بالمركز الألماني لأبحاث السرطان بمدينة هايدلبيرغ، إلى أنه طبيا تتم التفرقة بين نوعين من الأمراض الوراثية: الأول يحدث فيه تغيير لجين واحد فقط، والثاني يحدث فيه تغيير لأكثر من جين في ما يعرف بالأمراض الوراثية المعقدة. وأوضح ليشتر أنه في النوع الأول تزيد فرص الإصابة بنسبة كبيرة، في حين يختلف الوضع في النوع الثاني؛ حيث يكون لكل جين تأثير بسيط فقط. وأشار إلى أن معظم الأمراض الشائعة، كالسكري وألزهايمر والسرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية، تندرج تحت النوع الثاني. وأضاف ليشتر أنه في معظم الحالات لا تعد الجينات هي سبب المرض فحسب، بل تلعب أيضا التأثيرات البيئية ونمط الحياة دورا مهما. ففي حالة ألزهايمر مثلا ترفع عوامل أخرى خطر الإصابة بالمرض مثل البدانة أو داء السكري أو ارتفاع الكوليسترول في الدم، إلى جانب التغيرات الجينية. وأضاف ليشتر أن السرطان يرجع في 5 بالمئة من الحالات إلى عوامل وراثية؛ فإذا ظهر سرطان الثدي في جيلين متتالين، أي مع الأم وابنتها، ستكون نسبة توارثه عائليا مرتفعة. كما أن إصابة شخص في نهاية العشرينات من العمر، مثلا، تعد مؤشر خطر يستلزم ذهاب الأقارب إلى العيادة لاستشارة الطبيب. لكن على الجانب الآخر ليست هناك صلة بين إصابة الأب بسرطان البروستاتا وإصابة ابنته بسرطان الثدي. وأشار فريتشه إلى أن هناك حوالي 300 تغيير وراثي يسبب داء السكري من النوع الثاني، وهو الشكل الأكثر شيوعا؛ حيث يصاب به أكثر من 95 بالمئة من جميع مرضى السكري. وفي حال إصابة الأم أو الأب بالسكري من النوع الثاني، فقد يُصاب نصف أولادهما بالمرض نفسه. وأكد فريتشه على ضرورة أن يتضافر العامل الوراثي مع أسلوب الحياة والبيئة؛ فقلة الحركة والتغذية غير الصحية ترفعان خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني. أما السكري من النوع الأول فيحدث في الأسر التي لا يوجد فيها شخص مصاب بداء السكري، وتحدث الوراثة هنا بشكل أقل بكثير. كما أثبتت بحوث سابقة وجود علاقة بين البيئة التي ينشأ فيها الشخص وجيناته الوراثية من ناحية ومخاطر إصابته بالاكتئاب الشديد من ناحية أخرى. فقد توصلت دراسة أميركية إلى أن الإصابة بالاكتئاب بين أكثر من 2.2 مليون شخص في السويد وآبائهم وأمهاتهم، تعود إلى أن العوامل الوراثية والبيئة الأسرية تؤديان الدور نفسه في “انتقال” المرض من الوالدين إلى الأبناء. وكتب الباحثون في دورية “جاما للطب النفسي” أن النتائج التي اعتمدت على المقارنة بين أبناء بالتبني وآخرين بيولوجيين من أسر سليمة وأخرى غير سليمة، تتعارض مع نتائج سابقة كثيرة لدراسات ثنائية خلصت إلى أن الاستعداد الجيني يؤدي الدور الأكبر في توارث الاكتئاب. وقال الدكتور كينيث كندلر، وهو أستاذ الطب النفسي وعلم الوراثة البشرية والجزيئية بجامعة فرجينيا كومنولث في ريتشموند وقائد فريق البحث، “دراسات التبني ربما تكون أقوى طريقة متاحة لفهم آلية الانتقال (انتقال الاكتئاب) من الوالدين إلى النسل.. من أهم ما يميز هذه الدراسة هو تكرار نتائج الآباء بالتبني والبيولوجيين مع نتائج الآباء المتوفين أو أزواج الأمهات وزوجات الآباء. إن هذا يزيد ثقتنا في تلك النتائج بدرجة كبيرة”. وقالت جوان لوبي، الأستاذة في كلية الطب بجامعة واشنطن في مدينة سانت لويس ولم تشارك في البحث، “إذا كان لديك استعداد وراثي للإصابة بالاكتئاب فربما يتعين عليك تعزيز عوامل ما في بيئة تربية الأطفال لحمايتهم من انتقال الاكتئاب إليهم”. وتوصلت تقارير أعدّها المعهد القومي للصحة النفسية بالولايات المتحدة في 2015 إلى أن نحو 7 بالمئة من إجمالي البالغين في الولايات المتحدة، أي ما يعادل نحو 16.1 مليون فرد ممن لا تقل أعمارهم عن 18 عاما، عانوا مرة واحدة على الأقل من الاكتئاب الشديد. ويرتبط هذا الاضطراب النفسي بمشكلات كبيرة في العمل أو الدراسة أو الصحة وتعاطي المخدرات وزيادة خطر الانتحار. كما أوضحت دراسة أخرى أن الحياة بأسلوب صحي مع اتباع نظام غذائي جيد وممارسة تدريبات بدنية بشكل منتظم قد تساعد في تبديد أثر الاستعداد الوراثي للإصابة بالخرف. ووجدت الدراسة التي نُشرت في دورية جاما الطبية أن خطر الإصابة بالخرف تراجع بنسبة 32 في المئة لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي كبير إذا التزموا بأسلوب حياة صحي بالمقارنة مع الذين لم يكن نمط حياتهم صحيا. وزاد احتمال الإصابة بالخرف بواقع ثلاث مرات تقريبا لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي كبير وأسلوب حياتهم غير صحي بالمقارنة مع الأشخاص الذين يقل لديهم الاستعداد الوراثي لهذا المرض وأسلوب حياتهم صحي. وقالت إلزبيتا كوزما الباحثة في جامعة إكستر البريطانية، التي شاركت في الدراسة، إن “نتائجنا مثيرة للاهتمام لأنها تثبت أن بإمكاننا تحقيق نتيجة خلال محاولة تحييد استعدادنا الوراثي للإصابة بالخرف”. ويتبادر إلى الذهن السؤال التالي: ما الواجب فعله إذا كان هناك استعداد وراثي؟ وأجاب فيشر بأنه في مثل هذه الحالة ينبغي إجراء فحوصات لتحديد مدى الخطر الجيني، مع العلم أن التشخيص المبكر للمرض يزيد فرص العلاج.

مشاركة :