كتاب في مصيدة

  • 10/12/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

خلال مسيرتي الأدبية والإعلامية حرصت على احترام الجادين ودعم نتاجهم، لا لشيء إلا لأن - كما يقول المثل - لا يبقى في الوادي غير حجارته. خلال الثلاثين سنة التي عرفت فيها نجوماً في الأدب والفن، والمجتمع، لم يغشني البريق المزيف لأغلبهم، لقد أدركت باكراً أن الأشياء الثمينة لا نصطدم بها على الأرصفة، أو في كل مكان، ولكنّها تبقى في مخابئها إلى أن يجدها المجتهد في ميدانه. كُتّاب كثر يقاتلون اليوم من أجل نيل رضا متابعيهم على الشوسل ميديا، يسقطون يومياً في الهوّة التي يفرضها الجمهور العريض الذي يرغب في التسلية، وينافسون نجوم هذا العالم الافتراضي على العبط وأشياء أخرى، مع أنهم يدركون جيداً أن الصورة التي يعطونها مغايرة تماماً لواقعهم. كلما عثرت على نص جيد، أحمد الله على نعمته، كونه درة من الدرر التي يجب اقتناؤها والحفاظ عليها، وقد فعلت ذلك مراراً، احتراماً للأدب واللغة التي أكتب بها، فلا شيء يحمي اللغة من الاندثار غير الأدب. في زمن الشوسل ميديا تدعوني إحدى نجماته لمتابعتها، وقد أجبتها في حوار تلفزيوني جمعنا مؤخراً أن متابعتها بالنسبة لي دعوة للانتحار، ليس احتقاراً لشخصها بل لتلك الدعوة الدفينة التي توجهها بمكياجها ولغتها الغريبة والتي تقول للآخرين: إنهم بعيدون كل البعد عن الجمال، وإنّها نموذج لتلك الصورة المثالية التي يجب الاقتداء بها. إنه لمن المؤلم اليوم أن يجد الواحد منا نفسه مجبراً على نسخ أحدهم ليكون مقبولاً اجتماعياً، والحجة هي أن الكاتب أقل الناس حظاً؛ لأن نسبة متابعيه قليلة، وبالتالي فهو غير مؤثر! ويبدو هذا التقييم نابعاً من جهل أكيد، فقرّاء شكسبير يزيدون ولا ينقصون في العالم منذ أربع مئة سنة، وقد عاش محبوباً بما يكفي، بعد أن صنع ثروة جعلته يكتفي بصداقات حقيقية، ومات شاباً في الثالثة والخمسين، وقد قيل إنه الطاعون، لكنّ ذلك لم يؤثر على بقاء اسمه حياً، حتى في أيامه، بل إن شهرته بدأت تتسع بعدما اختفى من الوجود، ونحن هنا نتحدّث عن ملايين المتابعين ليس فقط على مواقع التواصل الاجتماعي، بل خارجها، في بقع منسية في العالم، لم تطأ التكنولوجيا مكتباتهم الصغيرة الهادئة، وهذا أمر يجب الإضاءة عليه بقوة. لا شيء يقف في وجه الزحف الإنكليزي للغة، ذلك أن نشاط الأدب لا يزال بخير في العالم الأنجلوسكسوني، مصيبتنا تكمن هنا، بالضبط حين قللنا من أهمية الأدب، فبدأت اللغة تتضعضع، وتتساقط دعائمها، إلى درجة قد نجد فيها أنفسنا بعد سنوات مثل القرود نتعامل مع بعضنا بالصراخ والإشارات لا غير.

مشاركة :