شباب العراق .. ثورة الوعي ضد أطماع إيران

  • 10/15/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شهد العراق مطلع الشهر الجاري احتجاجات عفوية، تزايدت وتيرتها يوما بعد آخر، وما كان لها أن تتوقف لولا الاستعمال المفرط للقوة ضد المتظاهرين، ما أودى بحياة 110 قتلى، وأزيد من ستة آلاف جريح. تعد هذه الاحتجاجات الأولى من نوعها في البلاد، منذ تولى عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء، في مثل هذا الشهر العام الماضي، وهي كذلك أول المظاهرات العفوية التي لا يتزعمها فصيل سياسي، فهي بلا قيادة واضحة. فقد حضر الشعب العراقي؛ في مقدمته الشباب، وغابت الأحزاب والتنظيمات السياسية عن المشهد الاحتجاجي. انتفض العراقيون بعد نفاد صبرهم من التراجع المستمر لمستويات المعيشة والخدمات الاجتماعية، من تعليم وصحة وسكن وتشغيل، فمنذ العدوان الأمريكي البريطاني الذي انتهى بالإطاحة بالنظام البعثي، وما تلاه من حرب أهلية بين عامي 2006 و2008، ثم ظهور تنظيم "داعش" الذي بسط سيطرته؛ منتصف عام 2014، على أجزاء واسعة في غرب وشمال البلاد، وصولا إلى حرب التحالف الدولي ضده لمدة أربعة أعوام، كل هذه المدة التي استمرت 16 عاما، وأحوال عيش العراقيين تتدحرج من سيئ إلى أسوأ. احتج أبناء بلاد الرافدين على وجود مثل هذه الأوضاع، في بلد يمتلك رابع أكبر احتياطي استراتيجي للنفط في العالم، بإجمالي دخل شهري من العوائد النفطية يزيد على ستة مليارات دولار. يعيش ربع من إجمالي سكان يقدر بنحو 40 مليون نسمة، بأقل من 60 دولارا في الشهر، وفق أحدث تقارير البنك الدولي، وتعاني أسرة واحدة من بين ست أسر عراقية انعدام الأمن الغذائي، أما مؤسسات الدولة فتنهار واحدة تلو الأخرى، لدرجة أضحى فيها واقع الخدمات العامة في البلد "ماء، كهرباء، مواصلات..." أسوأ بكثير من البلدان الأكثر فقرا في العالم. ردد أحفاد السومريين هتافات تطالب بإسقاط النظام، الذي يعدونه رهينة في أيدي قوة إقليمية مجاورة، ورحيل الحكومة المحكومة المغلوبة على أمرها؛ فبعد عام من إسناد مهام التدبير إليها، لا أثر لأي تغيير في واقعهم المعيش، بل ازدادت الأوضاع تأزما، ورفعوا شعارات مناوئة للأحزاب السياسية التي تتاجر بقضاياهم، قصد الاغتناء الشخصي لأعضائها؛ بعدما نخرها الفساد على المستويات كافة، وانتقدوا كل النخب التي تتصدر المشهد السياسي في العراق، وتتكلم في الشأن العام من دون فعل شيء، لأنها في الغالب الأعم مستفيدة من الوضع القائم. هتف العراقيون بالموازاة مع ذلك للمطالبة بخروج إيران، مرددين شعار "إيران برا برا"، بعدما أيقنوا أن العراق لن يكون بخير أبدا، ما دامت إيران تتدخل في سياسة واقتصاد وأمن العراقيين؛ إما بشكل مباشر أو بواسطة عملائها المحليين. فكلما حاول أبناء العراق تحسين أوضاعهم، انتهى بهم المطاف في طريق مسدود؛ فالقضاء على الفساد مستحيل طالما أن إيران وعملاءها مستفيدون من الوضع، فالنخب الفاسدة أداة طيعة في أياديهم، كما أن أي مشروع لإصدار قوانين تكبح جماح الميليشيات الطائفية معلق، خشية تهديد إيران والدمى التابعة لها في العراق بالعنف. دخلت إيران على الخط سريعا، بعدما أدركت أن هذه الاحتجاجات تشكل تهديدا لمصالحها في البلد، فانبرت الصحافة الإيرانية لتوزيع التهم على المحتجين، بإطلاق حملة شرسة لتشويه صورة المظاهرات، واتهامها بالعمالة لأجندات خارجية "سعودية، أمريكية، وإسرائيلية"، قصد إثارة الفوضى وبث الفتن في مدن ومحافظات البلد، إلى جانب الحملة الإعلامية اندس عملاء المرشد وسط الاحتجاجات، محاولين إسقاط النزعة السلمية عنها في عديد من المناطق. بهذا تؤكد إيران أن أي احتجاج لا تأتيه الأوامر من طهران مرفوض وغير مشروع. نجحت "الميليشيات" المحلية التابعة لإيران في وأد هذه الاحتجاجات السلمية، بعدما أفرطت في استخدام القوة بشكل لا يتناسب مطلقا مع تظاهرات بسيطة في بدايتها، بمطالب اقتصادية وخدماتية "خبزية"، قبل أن يحول الشباب مطالبهم جراء الإفراط في استعمال القوة إلى مطالب سياسية، لكنها من حيث لا تشعر عززت الوعي لدي المحتجين بثلاثة أمور: أولا: التوقف لا يعني مطلقا الاستسلام والخضوع والرضا بالأمر الواقع، فالمحتجون لم يعد لديهم ما يخسرونه، بعدما فقدوا عشرات من الأرواح؛ 110 قتلى، لا يمكن مطلقا استردادهم، بفعل التدخل العنيف للقوات الحكومية والميليشيات الطائفية الداعمة لها، ما يعني أن خطر الاحتجاج قائم باستمرار؛ فالمحتجون غير تابعين لأي جهة تنظيمية يأتمرون بها، بذلك فالعودة إلى التظاهر واردة في أي لحظة. ثانيا: كشفت هذه المظاهرات للعراقيين أن الفصائل أو الميليشيات اختطفت مؤسسات الدولة في العراق، ما يعزز أسباب انطلاق جولة جديدة من الاحتجاجات في القريب العاجل، فعلاوة على المطالب الخدمية السابقة، سيضاف إليها مطلب استعادة الدولة من هؤلاء الخاطفين، ممن يتاجرون بقضايا ومشكلات الشعب العراقي على الجبهة الداخلية ومع القوى الخارجية. ثالثا: عززت هذه الاحتجاجات الوعي لدى فئات عريضة من الشعب العراقي، بضرورة مراجعة نظام الحكم القائم حاليا، من خلال القيام بتغييرات في بنية الدولة، بمعنى الانتقال من النظام البرلماني المعمول به حاليا إلى النظام الرئاسي، حيث الفصل الصارم بين السلطات الثلاث، والصلاحيات الواسعة لرئيس الدولة، أملا في أن يكون ذلك سبيلا لتحرير العراق من الهيمنة الإيرانية. أدرك الشباب العراقي أخيرا أن الحل الجذري لمعاناته يكمن في استئصال رأس الأفعى التي يمثلها النظام الإيراني، لا البقاء رهين دوامات المشكلات الناجمة عن تدخلاتها "الطائفية، الفساد، التخلف، المحاصصة...".

مشاركة :