عبادة الأصنام في عصر الهولوجرام | لمياء باعشن

  • 5/7/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لو سألنا داعشيًّا أو طالبانيًّا عن سبب تجشّمه مشقة تكسير الصخور الضخمة والرخامية المنحوتة على شكل تماثيل أثرية؟ لقال لنا: إنه يمنع الناس عن عبادتها، وبالتالي ينقذهم من إثم الشرك -والعياذ بالله-. لكن الغريب أن تكسير تلك المنحوتات لا يتم داخل أديرة، أو معابد، ولا في وسط قوم عابدين لها، وإنّما في مواقع نائية كمنحدرات الأودية، ورؤوس الجبال، أو في متاحف مختصة لا يزورها إلاَّ الدّارسون والسيّاح. ونحن إن تأمّلنا أحداث تحطيم الأصنام في الأمثلة العظمى في القرآن الكريم، فسنجد أن هناك كلمة واحدة تتردد دائمًا لتحديد سبب التحطيم، وهي العكوف، أي القيام بالعبادة. حين سأل سيدنا إبراهيم أباه وقومه: «ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون»؟ (الأنبياء 52)، ردّوا عليه: «نعبد أصنامًا فنظل لها عاكفين» (الشعراء 71). ولهذا السبب بالتحديد راغ إبراهيم عليهم ضربًا باليمين؛ حتى جعلهم جذاذًا. وفيما بعد أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا إبراهيم، وابنه إسماعيل أن يطهّرا البيت الحرام «للطائفين والعاكفين والركّع السجود» (البقرة 125). أمّا قوم موسى عليه السلام، فحين «أتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم» (الأعراف 138)، طلبوا من سيدنا موسى أن يجعل لهم إلهًا مشابهًا، ثم كانت فتنتهم الكبرى بالعجل المجسّد الذي له خوار، فقالوا: «لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى» (طه 91). ولما رجع موسى -عليه السلام- توجّه بالتقريع للسامريّ الذي تسبب في فتنتهم، ثم أصدر حكم تحطيم الصنم مقرونًا بالسبب العكوفي: «وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا» (طه 97). ثم جاء خاتم النبيّين -عليه الصلاة والسلام- بنور الهدى، وقام يوم فتح مكة بهدم الأصنام التي ازدحم بها البيت الحرام حتى وضعت على سطح الكعبة، بل وفي جوفها. قام الرسول بهدم الأصنام في عقر دار العكوف، وذلك بعد زعزعة العقيدة الفاسدة، واستبدل بها الحق والإيمان الصحيح. فالناس لم يروا الأصنام فعبدوها، بل ضلوا وأشركوا وعبدوا آلهة متخيّلة صوّروها في أصنام. لم يأتِ للعرب قبل سيدنا محمد نبي ولا رسول، لذا انحرفت عقيدتهم، وبعدها نحتوا الأصنام لتقرّبهم إلى الله زلفى، لكنهم من بعد ما عرفوا الحق، فهم وغيرهم من الموحدين لن ينحرفوا لمجرد رؤية التماثيل. حين تكون العقيدة ثابتة، هل يضرها رؤية صنم أو تحطيمه؟ هل أدّى سقوط أحد أصنام بوذا سواء بمعاول الطالبان، أو بزلزال كاسح إلى إزالة البوذية؟ بالطبع لا، لأن المعادلة هي أن تسبق العقيدة الضالة نحت الصنم. وإذا كان تحطيم الأصنام يهدف لمحاربة الشرك، فلماذا يتم تجاهل أشكال الشرك الأخرى من عبادة البقر والنار والأجرام السماوية والشجر التي يستحيل إزالتها؟ إن اختزال حقيقة (الصنم) بالتمثال الحجري الأثري وتحطيمه دونًا عن كل مظاهر الشرك الحاضر يعيق الالتفات إلى تنوير القلوب وتحطيم الأصنام المنحوتة بداخلها. ولو أن الخوف -كل الخوف- على ثبات العقيدة من الانحراف لعبادة المنحوت على الهيئة البشرية بالتحديد، فماذا ستفعل بالعقيدة تلك الروبوتات المجسّدة والمتحركة التي تعمل عليها اليابان؟ بل وما مدى الضرر الذي ستلحقه بها تلك الصور التجسيمية لتقنية الهولوجرام التي تحضّر الأشخاص بأبعادهم الثلاثة وهم غائبون؟ العقيدة هي الأساس والمحرك والموجّه للفعل التعبدي، فإن كانت فاسدة اتخذت من الأصنام بجميع أشكالها آلهة زائفة، وإن صلحت وحّدت الله تعالى، ولم تتأثر بحجر منحوت، ولا برجل آلي من حديد، ولا بصورة هولوجرامية.

مشاركة :