"لا يجوز الخروج على ولي الأمر"، "المظاهرات حرام، ومن يدعون للتظاهر دعاة فتنة وخوارج"، عبارات نسمعها كثيراً من بعض المشايخ هنا وهناك وحتى من غلمانهم الناطقين عن الهوى، وقد وصل الحد ببعضهم إلى تخوين أي حراك اجتماعي مهما كانت مطالبه؛ بل والمطالبة بتقتيل من يقفون وراءه.. فهل يقف الإسلام حقاً إلى جانب الطغاة؟ أم أن هؤلاء يلوون أعناق النصوص لتدعم مآربهم؟ وكيف استغل هؤلاء مآل الحراك العربي لدعم أفكارهم؟ المعلوم بالضرورة أن القرآن والسنّة يزخران بنصوص قطعية الدلالة على تحريم الظلم، وهذا أمر لا ينكره إلا جاهل، لكن الصادم في الأمر أن تسمع أصحاب لحى طويلة يحضّون على الصبر في مواجهة بطش الحاكم؛ بل ويكفّرون من يخرج ضده، تارة بذريعة منع فتنة أكبر وأخرى بذريعة وجود بيعة لولي الأمر. والغريب في الأمر أنهم أنفسهم أفتوا بجواز الخروج على الحاكم في دول أخرى لا تنال رضا أولياء أمورهم، فدعموا إسقاط مرسي وتنصيب السيسي، ورقصوا على مئات الجثث من ضحاياه وبينهم من قُتلوا وهم سجود، فهل يكون قتل الأبرياء مرضاة لله؟! وهم من حرّم التظاهر في البحرين وأجازوه في سوريا، فكيف تكون الفتاوى متناقضة رغم أن الحالة هي نفسها رغم اختلاف الأماكن؟! أم أن بطش قادة البحرين ومصر وغيرها حلال بينما بطش "البعث" في سوريا حرام؟! الإسلام عندما أشار إلى الظلم لم يفتح أقواساً لاستثناء أحد كما فعل هؤلاء المشايخ مع أرباب نعمتهم. ولعل الآية التي يركن إليها هؤلاء في تأييد موقفهم، هي في الوقت نفسه الآية ذاتها التي تجعل موقفهم ضعيفاً، وتجعل من كلامهم مجرد عبارات جوفاء يرددها مريدوهم، قال تعالى: "وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم"، أي إن ولي الأمر منكم؛ أي من جموع الناس الذين يقوم على حكمهم، وليس مفروضاً فرضاً إما بانقلاب وإما بشرعية تاريخية زائفة، فهل تنطبق "منكم" هذه على مبارك أو بن علي أو السيسي أو القذافي أو صالح أو الأسد؟ وهل الأنظمة المترهلة القمعية كالنظام الإماراتي أو البحريني وغيره يمكن تصنيفها ضمن "منكم"، الجواب هو "لا"، فالهوة السحيقة بين الشعوب وحكامها غير قابلة للردم بفتاوى زائفة، ولعل الأفضلية الوحيدة لدول الخليج على الجمهوريات العربية القمعية المذكورة هي وجود مال يُنسي الشعب حقوقه الأخرى. ولعل مآلات الربيع العربي، التي انحرفت بسبب كم الشيطنة والتآمر الذي جاء بشكل كبير من بعض دول الخليج التي أحست باهتزاز عروشها، كانت سبباً في إعطاء زخم كبير لوعاظ السلاطين وكهنة المعبد لبثّ سمومهم والتخويف من التغيير، بحجة الحفاظ على الأمن، فتكفلت أموال السعودية والإمارات بحرق ربيع ليبيا ومصر، وتكفل شيوخهما بالدعوة للالتفاف حول مطلب الأمن والأمان حتى لو كان ممزوجاً بالذل، فدعموا مَن قتل الساجدين في الحرس الجمهوري، ويدعمون الآن ديكتاتور ليبيا الجديد؛ بل -ويا للعجب!- تقاتل تحت رايته جماعات سلفية باسم الجهاد. الأمر لا يعدو كونه صراعاً دنيوياً بين إرادة التحرر ورغبة الحكم المطلق، ولا يجد الطرف الذي يمتلك السلطة والمال حرجاً في الزج بالدين لدعم موقفه متى ما احتاج إلى ذلك، فتجدهم يتذكرون فجأة أن هناك نصوصاً دينية تجعلهم غير قابلين للنقض فضلاً عن الخروج ضدهم، وتجد في وجوههم القبيحة التي لم تُقم قط للدين وزناً الجرأة على التمترس خلفه، المطلوب من الدعاة الصدع بالحق، لكن في كثير من الأحيان تجدهم يصدعون بالباطل إما تحت وطأة الحاكم أو سخائه، ولا عجب أن نجدهم يركبون أغلى السيارات ويسكنون القصور، في تكرار مقيت لعلاقة الكنيسة الكاثوليكية مع أنظمة الحكم في أوروبا إبان القرون الوسطى. حديثاً، أصبح الإلحاد بين الشباب موضة رائجة، والسبب كونهم لا يبحثون في مصادر الإسلام الصحيح، ويكتفون بأخذه من أفواه شيوخ يدعون لتقديس البشر؛ بل ويحاولون إقناع غيرهم بأن الطريق الأقرب لإرضاء الله هو إرضاء ولي الأمر حتى لو مر إرضاؤه على ما تبقى من كرامتهم، وحتى لو تطلب ذلك الدوس على حقوقهم! ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :