تكللت جهود الأردن في النهوض بقطاعه السياحي بالنجاح بعد تسجيل قفزة نوعية ساهمت في ردم الفجوة التي خلفها ركود محركات النمو الأخرى جراء الاضطرابات في أكبر شركائها الاقتصاديين في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. عمان- بثّ النمو المتسارع في عوائد السياحة حالة من التفاؤل في الأوساط الاقتصادية والشعبية الأردنية، بعد أن تولى القطاع مهمة تخفيف الأزمات العميقة التي تعاني منها البلاد. وأثبتت أحدث البيانات أن عائدات الأردن ارتفعت من الدخل السياحي بنسبة 9 بالمئة إلى نهاية سبتمبر من العام الحالي لتصل 4.4 مليارات دولار. وكشف البنك المركزي الأردني أن عائدات عمّان من الدخل السياحي ارتفعت بفضل زيادة عدد السياح الكلي بنسبة 7 بالمئة بالمقارنة مع الفترة المماثلة من عام 2018 ليبلغ 4 ملايين و107 آلاف سائح تقريبا. وبلغ الدخل السياحي حتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي نحو 1.3 مليار دينار(4.4 مليارات دولار)، مقارنة مع نحو أربعة مليارات دولار للفترة نفسها من العام الماضي. وبرهنت البيانات الأولية الصادرة عن المركزي عن ارتفاع عائدات البلد من الدخل السياحي لشهر سبتمبر الماضي لتصل إلى 9.486 ملايين دولار أي ما يعادل 7.7 بالمئة مقارنة مع الشهر المماثل من العام الماضي نتيجة لارتفاع عدد السياح الكلي بنسبة 7.6 بالمئة. وتشكل السياحة رافدا إستراتيجيا لتعزيز احتياطات البلاد من العملة الصعبة، إلى جانب قيمة الصادرات السلعية والخدمية، والمنح والقروض والمساعدات الخارجية. ويعتمد اقتصاد الأردن البالغ عدد سكانه حوالي 9.5 ملايين نسمة، وتشكل الصحراء نحو 92 بالمئة من مساحة أراضيه، إلى حدّ كبير على دخله السياحي الذي يشكل ما بين 12 إلى 13 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي. وخلال العامين الماضيين، استعادت المرافق السياحية المقامة على ضفاف البحر الميت بعضا من زخم السياحة الوافدة وسياحة الأعمال، الذي كانت تتمتع به قبل أعوام بعد فترة من التذبذب بسبب الاضطرابات الإقليمية. ويزور البلاد سياح من أسواق بعيدة كأميركا اللاتينية والولايات المتحدة والمكسيك والصين واليابان في برامج زيارات مشتركة مع دول الجوار. وتعدّ منطقة البحر الميت قبلة سياحية عالمية لتواجدها في البقعة الأخفض على وجه الكرة الأرضية بنحو 370 مترا تحت سطح البحر. ويرى خبراء أن هذه النتائج كانت بمثابة طوق نجاة الاقتصاد الأردني الذي تضرر أيضا من الظروف الأمنية المحيطة بالمنطقة وانتشار تنظيم داعش في 2014 على مناطق واسعة من العراق وسوريا. ويعاني الأردن، الذي يستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجاته من الطاقة من الخارج، ظروفا اقتصادية صعبة وديونا، إضافة إلى تأثره بموجات نزوح مئات الآلاف من اللاجئين. وانعكست الأوضاع الصعبة للبلد على حياة معظم المواطنين، الذين تضرّرت قدرتهم الشرائية وحاصرتهم البطالة في ظل ارتفاع الأسعار والضرائب. وبدأ الاحتياطي الأجنبي بالتأثر سلبا منذ مطلع 2016 بعد تباطؤ النمو في تحويلات المغتربين والدخل السياحي والاستثمار الأجنبي، وهي العوامل المغذية لاحتياطي العملة الأجنبي. وشرعت عمّان في تنفيذ برنامج إصلاحات هيكلية في اقتصادها أقرها صندوق النقد الدولي عام 2016، بهدف خفض الدين العام عام 2021 إلى 77 بالمئة من مستوى مرتفع بلغ 99 بالمئة في موازنات الأعوام الماضية. ويبدو أن المؤشرات الحديثة ستصعد من آمال الدولة في التعويل على النشاط السياحي لمواجهة المتغيرات الاقتصادية العالمية التي تلقي بظلالها على دول الجوار. ويحذر خبراء من مخاطر الاقتصاد التقليدي المعتمد على موارد إنتاج محدودة يؤثر انحسارها على المالية العامة وحياة المواطنين. ورغم استفاقتها المتأخرة تتطلع بعض الدول الخليجية بعد أزمة انخفاض أسعار النفط إلى تنويع مصادر تمويلها درءا للعقبات المتوقعة في خضم تجاذبات سياسية واقتصادية كبيرة. وتعتقد الأوساط الاقتصادية أن هذه الأموال سوف تمنح عمّان مجالا لالتقاط أنفاسها وسط كومة الأزمات التي تواجهها في طريق تنفيذ برنامجها لإصلاح الاقتصاد وتجاوز عقباتها الاقتصادية. ويهدف البلد المتعطش للنمو إلى استقطاب أسواق جديدة وتنويع إيرادات السياحة كقطاع حيوي في ظل قلة موارده واقتصاره على المساعدات الخليجية. وكانت السعودية والإمارات تعهّدتا العام الماضي بمنح عمّان نحو 2.5 مليار دولار على مراحل بغرض المحافظة على أمنها الاجتماعي إذ يعتبر الأردن نقطة مهمة جغرافيا، يؤثر توترها الاجتماعي على المنطقة ككل.
مشاركة :