تتجلى وسطية الإسلام واعتداله في وحدانية الله سبحانه، فهناك تسليم بأنه لابد لكل مخلوق من خالق، فمن غير الممكن أن تكون السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم والبحار والأنهار والأمطار والإنسان والحيوان والنبات والجبال والصخور، من غير خالق بل إن أهل الجاهلية وهم أشد الناس كفرا اعترفوا بالإله الخالق، كما حكي القرآن الكريم "ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فأني يؤفكون" وقال: "ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم" . بل كان بعضهم يستدل على وجود الله تعالى بما حوله من الآيات الكونية، فيقول:" البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير" . هناك من عدد الآلهة من الكواكب ومن النور والظلمة ومن الأصنام والأوثان ومن الملوك والفراعين، ومنهم من أنكر الإله ونسب كل شيء إلى المادة والطبيعة، وجاء الإسلام في رسالاته وكتبه وعلى ألسنة أنبيائه ورسله منذ خلق الله آدم وعن طريق الآيات الكونية ودلائل القدرة الربانية مؤمناً بوجود إله واحد لا شريك له متصف بكل كمال ومنزه عن كل نقصان، وأثبت لجميع الأمم وحدانيته بطرق شتى حكى القرآن الكريم الكثير منها، فكان بذلك وسيطاً بين هؤلاء وأولئك الضالين سواء بالشرك أو بالإنكار للذات العلية وإسناد الأمر إلى الطبيعة والصدفة أو المادة أو الحيوان . فبالنسبة للوحدانية قال تعالى: "قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد" وقال: "قل أعوذ برب الناس، ملك الناس، إله الناس" وقال: "قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق"، وقال: "فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وأمنهم من خوف"، ووجه جميع الأنبياء والمرسلين إلى البدء، بتوحيد الله وعبادته فقال: "إنا أرسلنا نوحاً إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم، قال يا قوم أني لكم نذير مبين، أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعوه"، "لقد أرسلنا نوحاً إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره" . وهكذا قال هود لقومه وقال صالح لقومه، وهكذا قال شعيب، "وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين"، وقال إبراهيم "إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين"، وهكذا سائر الأنبياء والمرسلين "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون" . وفي كلمة جامعة قال الله تعالى: "وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه بأنه لا إله إلى أنا فاعبدون"، وقال: "إن إلهكم لواحد رب السّماوات والأرض وما بينهما وربّ المشارق . إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب" . وهناك جانب آخر لتقرير الوحدانية وهو مناقشة المشركين في شركهم وشركائهم وإبطال حججهم وإسقاطها، نذكر نماذج منها ولا نحصيها، فمن ذلك قوله تعالى في سورة المؤمنون: "قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون، سيقولون لله أفلا تذكرون، قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم، سيقولون لله أفلا تتقون، قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون، سيقولون لله قل فأني تسحرون، بل أتيناهم بالحق وإنهم لكذابون، ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون، عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون" . ومن ذلك قوله تعالى: "أم اتّخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون . لو كان فيهما آلهة إلا اللّه لفسدتا فسبحان اللّه ربّ العرش عمّا يصفون .لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون . أم اتّخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحقّ فهم معرضون" . ونهى عن الشرك فقال: "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون . الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون" . وقال تعالى: "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مّن دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون" . وبذلك ونحوه ظهرت وسطية الإسلام في بيان الإله ووحدانيته، لأن ذلك هو الوسط العدل الحق بين رذيلتين إحداهما تعدد الآلهة من أي نوع، والثانية المادة والطبيعة والصدفة مما لا يعقل ولا يقبل، ولم يبق إلا الفضيلة وهي وحدانية الله عز وجل سبحانه وتعالى" . أستاذ الشريعة الإسلامية - جامعة القاهرة
مشاركة :