تقول أوساط سياسية لبنانية إن توقيت توجيه اتهامات لرئيس الوزراء الأسبق نجيب ميقاتي بالكسب والثراء غير المشروع لا يخلو من أبعاد سياسية في ظل ما تشهده الساحة اللبنانية من احتجاجات غير مسبوقة، تحاول السلطة الحالية احتواءها بكل الوسائل حتى وإن كلف ذلك تقديم “أكباش فداء”. وقال ميقاتي، خلال مؤتمر صحافي عقب صدور قرار قضائي بإحالته إلى التحقيق “الكل يعرف أنني تحت سقف القضاء، ومنذ اليوم الأول للحديث في الملف المختلق قلت وأكرر إنني تحت سقف القانون”. وأضاف “فوجئت بالتوقيت، فاليوم بالذات القاضية غادة عون أتت إلى مكتبها كأنها جاءت بمهمة، ورسالة، ووصلت، وهي تقول ‘طفح الكيل منك يا نجيب ميقاتي لأنك لم تنتخب الرئيس منذ 3 سنوات، ولأنك مدافع عن الدستور والطائف ومقام رئاسة الوزراء"”. وقال “أنا مستعد للكشف عن حساباتي في الداخل والخارج، ولا يعتقد أحد أنني أحتمي بالحصانة النيابية”. وناشد ميقاتي وزير العدل اللبناني ألبرت سرحان قائلا “يتعين إنقاذ العهد والعمل على وقف تسييس القضاء”. السلطة مستعدة للذهاب بعيدا من أجل فك الضغط وإن اقتضى الأمر تقديم {أكباش فداء} خاصة من المغضوب عليهم وكان القضاء اللبناني ادعى الأربعاء على رئيس الوزراء الأسبق والنائب الحالي نجيب ميقاتي وابنه وشقيقه وعلى بنك عودة بتهمة “الإثراء غير المشروع”، وفق ما نقلت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية. وجاء هذا الإجراء النادر من نوعه في لبنان بعد يومين من إقرار حكومة سعد الحريري رزمة إصلاحات تضمنت إعداد مشروع قانون لاستعادة الأموال المنهوبة، وإقرار قانون إنشاء الهيئة الوطنية لمحاربة الفساد قبل نهاية العام في محاولة لاحتواء غضب الشارع الناقم على الفساد والهدر. ويعدّ الشقيقان ميقاتي وهما من مدينة طرابلس شمالا من أكبر أثرياء لبنان. وأدرجتهما مجلة “فوربس” الأميركية في قائمتها لأثرياء العالم لعام 2019، مقدرة ثروتهما بخمسة مليارات دولار يتقاسمانها مناصفة. وأوردت الوكالة أن النائبة العام الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون “ادعت على ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عودة بجرم الإثراء غير المشروع من طريق حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم أمام قاضي التحقيق الأول للتحقيق معهم”. وفي وقت سابق قال مستشار ميقاتي إن القروض التي تم أخذها كانت تجارية بحتة ووفقا للوائح المصرف المركزي وجاءت ردا على انتقاد ميقاتي للرئيس اللبناني ميشال عون وتأييده للاحتجاجات التي تستهدفه وحكومته. وأفادت وسائل إعلام محلية في يوليو 2018، بوجود وثائق تبين حصول متمولين على قروض من مصارف مدعومة من المصرف المركزي اللبناني بالملايين من الدولارات على أنها قروض إسكانية. وحصل ميقاتي بين عامي 2010 و2013 على تسعة منها منحها له بنك عودة. ونفت مجموعة ميقاتي التجارية في بيان حينها الاتهامات. وقالت إنها “أكاذيب بهدف التشهير السياسي… للايحاء بأننا ممن يتحملون المسؤولية عن أزمة قروض الإسكان الحالية”. وأوضحت المجموعة أنها “لم تحصل على قروض من المؤسسة العامة للإسكان، أو من مصرف الإسكان، لا في السابق ولا حاضرا، وبالتالي فلا علاقة لنا مباشرة أو غير مباشرة بأزمة القروض السكنية”. وتزامنت الاتهامات حينها مع أزمة قروض سكنية لا تزال مستمرة في البلاد، جراء توقف المؤسسة العامة للإسكان، عن منح قروض مدعومة نتيجة لتآكل الاحتياطي الإلزامي للمصارف التجارية في فترة قصيرة، عدا عن الخلاف بين المصارف التجارية والمصرف المركزي على قيمة فوائد القروض المدعومة. وتمنح هذه المؤسسة ذوي الدخل المحدود والمتوسط قروضا متوسطة وطويلة الأجل بفوائد منخفضة تخولهم شراء شقق سكنية. إلا أنها منذ نحو عامين توقفت عن منح أي قروض جديدة. وكان حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قال في مقابلة تلفزيونية في يناير الماضي إن القروض التي تم منحها للسياسيين “ليست لها أي علاقة بالمؤسسة العامة للإسكان وهي من الاحتياطي الإلزامي للمصارف أي أموالها الخاصة، وليست لمصرف لبنان علاقة بها”. وخلال المسيرات الحاشدة التي يشهدها لبنان منذ أسبوع، رفع المتظاهرون شعارات عدة تطالب بإعادة العمل بقروض الإسكان. وتضمنت الإصلاحات الجذرية التي أعلنتها الحكومة الاثنين “تخصيص مبلغ 160 مليون دولار لدعم القروض السكنية”. ويشهد لبنان منذ ليل الخميس تظاهرات حاشدة غير مسبوقة في تاريخ البلاد على خلفية قضايا معيشية ومطلبية، يشارك فيها عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار من شمال البلاد حتى جنوبها مرورا ببيروت. ويطالب المتظاهرون الذين يقطعون الطرق الرئيسية في البلاد برحيل كل الطبقة السياسية. ويرى محللون أن توجيه الاتهامات لميقاتي التي استفزت تصريحاته وتحركاته الأخيرة في المنطقة الكثيرين، غير مستغرب، ويلفت المحللون إلى أن السلطة تواجه مأزقا في ظل إصرار المتظاهرين على البقاء في الشارع، وهي مستعدة للذهاب بعيدا من أجل فك الضغط حتى وإن اقتضى الأمر تقديم “أكباش فداء” خاصة من المغضوب عليهم.
مشاركة :