الحدس هو نتاج لعملية عقلية منظمة تبدأ بتفاعل الحواس مع المدخلات الحسية المتنوعة وينتهي بجرس إنذار يطلقه العقل الباطن للتنبيه بوجود حدث من نوع ما، وما يحدث بالتحديد إنه عندما ينشغل العقل الواعي أو ما يعرف بالمنطق بالتفكير والتحليل والتنسيق داخل الصندوق، وهو تعبير مجازي لما يؤطر لطريقة تفكيرنا من ثوابت تخصنا وحدنا وقد يشاركنا في بعضها أو أغلبها من يشاركوننا الإطار البيئي. يقوم العقل الباطن باستراق السمع واختلاس النظر عبر الحواس المختلفة ويقوم بتحليل المعطيات وإنشاء الأنساق وتوقع النهايات ليصل في النهاية لتسليم المهمة للعقل الواعي لتبني ردة الفعل. إذاً هل الحدس نوع من الإلهام أم عملية عقلية صرفة؟ قد يقول البعض: إن الحدس نوع من أنواع الحاسة السادسة أو ما يدخل ضمن نطاق الباراسايكولوجي (علم ما فوق الحواس) الذي يقع ويمكن التنبؤ به من دون القدرة على تفسيره كما يحدث عندما ينقبض قلب الأم على أحد أبنائها من دون غيره من إخوته لإحساسها بأن خطباً ما سيحدث ولن ينجو منه صغيرها، أو قدرات التخاطر الذهني عن بعد (ياسراقة الجبل) وغيرها من الظواهر الخارقة. للأسف.. إن الحدس ليس له علاقة بما فوق الحواس بل هو عملية حسية صرفة تعتمد في مخرجاتها على الحواس الخمس التي تثمر نوعاً من المشاعر التي تولد نوعاً من الهاجس بحتمية حدوث حدث ما. هل سمعتم بعبارة الحس الأمني؟ بالتأكيد نعم. وهل تسنت لكم الفرصة لسؤال صاحب هذا الحس عن كيفية توصله لمعرفة مصدر التهديد وإصراره على التعامل معه؟ من جرب الدخول في حوار مع صاحب الحدس سوف يدرك أن ما يحدث هو عملية عقلية استطاع صاحب أرهف الحواس أن يلتقط الإشارات ويحللها بشكل أسرع من غيره، فليس الحدس نوعاً من الكرامات ولا طيفاً من الإلهام ولا حاسة إضافية كما قد يتوقع الجميع. ارهفوا حواسكم وحرروا عقولكم من قيد القناعات المسبقة وانتقلوا إلى فضاء رحب من الممكن دون أحكام مسبقة لا صحة لها إلا في عقولكم.
مشاركة :