إطلالة على الهجرة النبوية (5)

  • 11/2/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دعا النبي صلى الله عليه وسلم لوطنه، فالمرء الصالح يتمنى الخير لموطنه، ويبغض كل ما يسوء وطنه، ويرى وطنه أجمل وأفضل بقاع الأرض مهما فعل فيه أهلها. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءَ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْحَزْوَرَةِ، يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ» المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري. عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «وَاللَّهِ إِنَّكَ لَخَيْرُ الْأَرْضِ وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ»، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا لَيْتَنَا نَفْعَلُ فَارْجِعْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهَا مَنْبَتُكَ وَمَوْلِدُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَخْرَجْتَنِي مِنْ أَحَبِّ أَرْضِكَ إِلَيَّ فَأَنْزِلْنِي أَحَبَّ الْأَرْضِ إِلَيْكَ، فَأَنْزَلَنِي الْمَدِينَةَ» رواه الحاكم. ومهما اضطر الإنسان إلى ترك وطنه فإنّ حنين الرجوع إليه يبقى معلّقًا في ذاكرته لا يفارقه، ولذا يقول الأصمعي: «قالت الهند: ثلاث خصال في ثلاثة أصناف من الحيوانات: الإبل تحن إلى أوطانها وإن كان عهدها بها بعيدًا، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدبًا، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعًا». عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» رواه ابن حبان. عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علمت أن أحب البلاد إلى الله عز وجل مكة ولولا أن قومي أخرجوني ما خرجت. اللهم اجعل في قلوبنا من حب المدينة مثل ما جعلت في قلوبنا من حب مكة. وما أشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة قط إلا عرف في وجهه البشر والفرح». رواه الطبراني التآلف والمحبة والإخاء وصفاء القلب من أسس البناء الصحيح للفرد والمجتمع، حيث آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، بل وجميع المسلمين من كل جنس ولون. إن الهجرة النبوية المباركة أقامت مجتمعا رشيدا نشر العدل والمساواة، وواجه الشرور بالحسم والحزم، مجتمعا قام على الدين وتمسك به، فعز شأنه وعلا قدره. إن الأمة إذا ضعف فيها الدين، اختل بناؤها الاجتماعي، لأن بالدين تستقيم الأخلاق والآداب والسلوكيات والمعاملات. الحب الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم والتضحية لنصرته وإعلاء كلمة التوحيد ونشرها. إن من ثمرات الهجرة المباركة أن خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة وليس معه سوى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وعاد إليها ومعه أكثر من عشرة آلاف من خيرة الرجال، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه. لم ينتقم النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه أو لأصحابه جراء ما أصابه وأصابهم من ظلم وطغيان، وتعذيب وتنكيل؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم عفا وسامح وصافح وقال لمن ناصبوه العداء، ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أيها القارئ الكريم نحن نودع عاما ونستقبل عاما فعلينا أن نقبل على الله بالطاعات وصالح الأعمال، وندعوه سبحانه أن يغير أحوالنا وأحوال المسلمين إلى أحسن حال.

مشاركة :