إطلالة على الهجرة النبوية (3)

  • 10/12/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا بد أن نشير إلى عامل من أهم العوامل في نجاح الهجرة ألا وهو دور القائد في توزيع المهام والأدوار (الرجل المناسب في المكان المناسب)، وهذا ما حدث من رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كانت مهمة عبدالله بن أبي بكر أن يجمع أنباء تحركات القوم ومكرهم وعبثهم، ويعود بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه حتى يكونا على علم بما يدبر لهما من سوء وشر، ومهمة عامر بن فهيرة الذي كان يرعى غنم أبي بكر، حتى إذا جن الليل، وهدأ السير، ولزم القوم بيوتهم، ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه في غار ثور، فاحتلب لهما ثم يعود ليمحو آثار أقدام عبدالله بن أبي بكر حتى لا يستدل القوم على أثر سيره، ومن ثم لا يصلون إلى مقر الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين التي كانت تحمل الطعام، وعبدالله بن أريقط دليل الصحراء الذي قاد الرحلة بنجاح، وأخفى في صدره أسرار الهجرة بالرغم من أنه لم يدخل في الإسلام بعد. فعلينا أن نتعلم من الهجرة كيفية التغلب على الصعاب ومعالجة الأدواء، من خلال خطط وأهداف محددة ومدروسة. إن حسن التخطيط وحفظ الأسرار وإتقان العمل والتعاون والهمة العالية والأخذ بالأسباب أهم عوامل النجاح لكل عمل. لقد كانت الدعوة الإسلامية تتطلب أرضا خصبة تقبل الحق وتناصره، وتقف في وجه الباطل وتدحره، فكانت المدينة المنورة التي اختارها الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، حيث وجد فيها آذانا مصغية، وقلوبا واعية، استجابت لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مبلغ غايتهم وهدفهم رضا الله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته، ونشر التوحيد وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، فانطلقت من المدينة المنورة إلى بلاد الشام والعراق واليمن ومصر والعالم قوافل الدعوة إلى الحق المبين. لقد فارق الرسول صلى الله عليه وسلم وطنه الأم مكة المكرمة موطن آبائه وأجداده من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لذلك قال صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة: «والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت منك»، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: «ما أطيبك من بلدة وأحبك إلي، ولولا أن قومك أخرجوني ما سكنت غيرك». المستدرك على الصحيحين للحاكم. لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من أجل مرضاة الله، فترك الوطن والمال، وتحمل الصعاب والمشاق بعزيمة قوية وإيمان راسخ، حتى حقق الله له النصر، وكانت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، قال الله تعالى: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ (173) (الصافات: 171-173)، جاء في تفسير ابن كثير، يقول تعالى: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ» أي: تقدم في الكتاب الأول أن العاقبة للرسل وأتباعهم في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: «كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ» (المجادلة: 21)، وقال تعالى: «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ» (غافر: 51)؛ ولهذا قال: «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ» أي: في الدنيا والآخرة. كما تقدم بيان نصرتهم على قومهم ممن كذبهم وخالفهم، وكيف أهلك الله الكافرين، ونجى عباده المؤمنين. «وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ» أي: تكون لهم العاقبة. إنها التضحية من أجل إعلاء كلمة الله. لقد حققت الهجرة المباركة أهدافها بسبب صدق النوايا، عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» رواه البخاري ومسلم.

مشاركة :